Сљнгатулла Бикбулат مبدأ القراءة Мђбдђ-њл-кыйра-ђт


اَلدَّرْسُ الْخَامِسُ وَ الْعِشْرُونَ وَ الْمِائَةُ



бет12/18
Дата11.07.2016
өлшемі1.77 Mb.
#191650
1   ...   8   9   10   11   12   13   14   15   ...   18

اَلدَّرْسُ الْخَامِسُ وَ الْعِشْرُونَ وَ الْمِائَةُ




اَلنَّعَامَةُ

نَعَامَةٌ قِمَّةٌ تَكْوِينٌ رَقَبَةٌ عَدْوٌ نُوتٍ زَوْرَقٌ حُفْرَةٌ رَمْلٌ

قِشْرٌ قَدَحٌ عَاجٌ جَوَادٌ إِجْهَادٌ مُشَاهَدَةٌ اِلْتِقَافٌ خَبْوٌ بَغْتَةٌ

ثَمِينٌ فَاحِشٌ اِقْتِنَاصٌ رَغْمًا عَنْ ذَلِكَ بِسُرْعَةٍ لاَ مَزِيدَ لَهَا


اَلنَّعَامَةُ أَكْبَرُ الطُّيُورِ. وَ يَبْلُغُ عُلُوُّهَا مِنْ قِمَّةِ رَأْسِهَا إِلَى الْأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَذْرُعٍ وَ نِصْفَ ذِرَاعٍ. وَ مَسْكَنُهَا عَلَى الْغَالِبِ فِي صَحَارَى أَفْرِيقِيَّةَ وَ بِلاَدِ الْعَرَبِ. وَ يُسَمِّيهَا الْعَرَبُ الْجَمَلَ الطَّائِرَ. لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْجَمَلَ فِي تَكْوِينِهَا وَ طُولِ رَقَبَتِهَا. وَ هِيَ كَالْجَمَلِ تُحِبُّ سُكْنَى الصَّحْرَاءِ. وَ هِيَ صَبُورٌ عَلَى الْعَطَشِ نَظِيرَ الْجَمَلِ وَقْتًا طَوِيلاً. أَمَّا جَنَاحَا النَّعَامَةِ فَصَغِيرَانِ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَطِيرَ بِهِمَا. وَ لَكِنَّهَا تَسْتَخْدِمُهَا عِنْدَ الْعَدْوِ كَمَا يَسْتَخْدِمُ النُّوتِيُّ الْمَجَاذِيفَ لِتَسْيِير الزَّوْرَقِ فَيُسَاعِدَانِهَا كَثِيرًا عَلَى الرَّكْضِ بِسُرْعَةٍ تَكَادُ تُشْبِهُ الطَّيَرَانَ. وَ النَّعَامَةُ تَخْتَارُ عُشَّهَا فِي حُفْرَةٍ رَمْلِيَّةٍ فِي الصَّحْرَاءِ فَتَضَعُ فِيهِ عَشْرَ بَيْضَاتٍ أَوِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ بَيْضَةً وَ تَجْلِسُ فَوْقَهَا وَ لاَ تَتْرُكُهَا إِلاَ فِي مُنْتَصَفِ النَّهَارِ عِنْدَ مَا تَصِيرُ أَشِعَّةُ الشَّمْسِ حَارَّةً مُحْرِقَةً. وَ بَيْضُ النَّعَامَةِ يَصْلُحُ لِلْأَكْلِ. وَ بَعْضُ النَّاسِ مُغْرَمُونَ بِهِ كَثِيرًا. وَ قِشْرُ الْبَيْضِ يَصْلُحُ لِعَمَلِ الْأَقْدَاحِ وَ نَحْوِهَا وَ يُعْتَبَرُ كَآنِيَةِ الْعَاجِ. وَ النَّعَامَةُ تُصَادُ عَلَى ظُهُورِ الْجِيَادِ. وَ رَغْمًا عَنْ سُرْعَةِ عَدْوِهَا تُدْرِكُهَا الْخَيْلُ السَّرِيعَةُ الْجَرْيِ لِأَنَّهَا لِجَهْلِهَا لاَ تَعْدُو عَلَى خَطٍّ مُسْتَقِيمٍ وَ لَكِنَّهَا تَتَعَوَّجُ فِي مَسِيرِهَا كَثِيرًا. فَالْقَنَّاصُ الْمَاهِرُ يَعْدُو وَرَاءَهَا عَلَى خَطٍّ مُسْتَقِيمٍ فَيُدْرِكُهَا بَعْدَ أَنْ يَكُونُ قَدْ أَجْهَدَهَا التَّعَبُ لِأَنَّهَا لاَ تَقْوَى عَلَيْهِ مِثْلَ الْفَرَسِ. وَ قَالَ أَحَدُ السُّيَّاحِ إِنَّهُ شَاهَدَ فِي صَحَارَى أَفْرِيقِيَّةَ قَوْمًا يَصْطَادُونَ النَّعَامَةَ عَلَى طَرِيقَةٍ غَرِيبَةٍ. وَ هِيَ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَلْتَفُّ بِجِلْدِ نَعَامَةٍ وَ يَقْصُدُ سِرْبًا مِنْهَا فَمَتَى دَنَا مِنْهُ يَحْبُو عَلَى يَدَيْهِ وَ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَصِلَ بَيْنَهَا وَ هِيَ تَظُنُّهُ وَاحِدَةً مِنْهَا فَيَنْهَضُ بَغْتَةً وَ يُطْلِقُ سِهَامَهُ عَلَيْهَا فَيَقْتَنِصُهَا. وَ شَاهَدَ بَعْضُهُمْ وَلَدًا مِنْ سُكَّانِ الْمَغْرِبِ يَرْكَبُ نَعَامَةً أَلِيفَةً فَكَانَتْ تَرْكُضُ بِهِ بِسُرْعَةٍ لاَ فَرِيدَ لَهَا. وَ أَثْمَنُ شَيْئٍ فِي النَّعَامَةِ رِيشُ ذَنَبِهَا وَ جَنَاحَيْهَا. وَ هُمْ يَقْتَنِصُونَهَا لِلْحُصُولِ عَلَى رِيشِهَا الَّذِي يُبَاعُ فِي أَسْوَاقِ الْعَالَمِ الْمُتَمَدِّنِ بِأَثْمَانٍ فَاحِشَةٍ وَ يَسْتَعْمِلُونَهُ لِلزِّينَةِ.
اَلدَّرْسُ السَّادِسُ وَ الْعِشْرُون وَ الْمِائَةُ
اَلطَّبِيبُ وَ الصَّبِيُّ الْمَرِيضُ
تُخْمَةٌ نَشْأَةٌ تَرْصِيعٌ لُؤْلُؤٌ تَمَزُّقٌ مِلْءٌ
يُحْكَى أَنَّ طَبِيبًا عَادَ ذَاتَ يَوْمٍ صَبِيًّا كَانَ يَمْرَضُ بِوَاسِطَةِ التُّخْمَةِ وَ الْأَلاَمِ الْمَاشِئَةِ عَنْ امْتِلاَءِ مَعِدَتِهِ بِالْأَغْذِيَةِ. فَرَأَى الطَّبِيبُ فِي يَدِ ذَلِكَ الصَّبِيِّ كِيسًا مُرَصَّعًا بِاللُّؤْلُؤِ وَ الْمَرْجَانِ مَمْلُوءًا بِالذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ. فَقَالَ لَهُ هَلْ هَذَا الْكِيسُ الْمَمْلُوءُ بِالدَّرَاهِمِ وَ الدَّنَانِيرِ يَسَعُ شَيْئًا زِيَادَةً عَمَّا فِيهِ. فَأَجَابَهُ الصَّبِيُّ بِقَوْلِهِ كَيْفَ يَسَعُ، مَا يَدْخُلُهُ الْآنَ؟ فَقَالَ الطَّبِيبُ إِذَا أَعْطَيْتُكَ مِقْدَارًا عَظِيمًا مِنَ النُّقُودِ هَلْ تَقْدِرُ أَنْ تُدْخِلَهُ فِي الْكِيسِ عَلَى هَذَا الْحَالِ؟ قَالَ إِنَّ إِدْخَالَ مَا يَزِيدُ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْمُحَالِ. فَقَالَ لَهُ الطَّبِيبُ ضَعْهُ بِالْقُوَّةِ. قَالَ يَتَمَزَّقُ وَ هُوَ مُرَصَّعٌ بِاللُّؤْلُوِ وَ الْمَرْجَانِ ثُمَّ قَالَ لَهُ الطَّبِيبُ اِعْلَمْ أَيُّهَا الصَّبِيُّ إِنَّ مَعِدَتَكَ مِثْلُ هَذَا الْكِيسِ فَمَتَى أَكَلْتَ أَزْيَدَ مِنْ مِلْءِ بَطْنِكَ فَقَدْ أَضْعَفَتْ مَعِدَتَكَ وَ أَتْلَفْتَهَا وَ جَاءَتْكَ الْأَمْرَاضُ وَ الْآلاَمُ.

اَلدَّرْسُ السَّابِعُ وَ الْعِشْرُونَ وَ الْمِائَةُ

كِسْرَى وَ الْفَلاَحُ




كِسْرَى تَأْمِيلٌ زِهْ طَعَنَ فِي السِّنِّ مَا أَعْجَلَ مَا أَثْمَرَ هَذَا النَّخْلَ

وَقَفَ كِسْرَى عَلَى فَلاَحٍ يَغْرِسُ نَخْلاً وَ قَدْ طَعَنَ فِي السِّنِّ. فَقَالَ لَهُ مُتَعَجِّبًا مِنْهُ أَيُّهَا الشَّيْخُ أَتُؤَمِّلُ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ ثَمَرِ هَذَا النَّخْلِ وَ هُوَ لاَ يَحْمِلُ إِلاَ بَعْدَ سِنِينَ كَثِيرَةٍ وَ أَنْتَ قَدْ فَنِيَ عُمْرُكَ. فَقَالَ أَيُّهَا الْمَلِكُ غَرَسُوا وَ أَكَلْنَا وَ غَرَسْنَا فَيَأْكُلُونَ. فَقَالَ مُتَعَجِّبًا مِنْ كَلاَمِهِ زِهْ. وَ أَعْطَى الْفَلاَحَ أَلْفَ دِينَارٍ. فَأَخَذَهَا وَ قَالَ أَيُّهَا الْمَلِكُ مَا أَعْجَلَ مَا أَثْمَرَ هَذَا النَّخْلَ. فَاسْتَحْسَنَ كِسْرَى ذَلِكَ وَ قَالَ زِهْ. وَ أَعْطَاهُ أَلْفَ دِينَارٍ أُخْرَى فَأَخَذَهَا وَ قَالَ أَيُّهَا الْمَلِكُ وَ أَعْجَبُ مِنْ كُلِّ شَيْئٍ أَنَّ النَّخْلَ أَثْمَرَ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ. فَاسْتَحْسَنَ كِسْرَى ذَلِكَ وَ قَالَ زِهْ. فَأَعْطَاهُ أَلْفَ دِينَارٍ أُخْرَى ثُمَّ تَرَكَهُ وَ انْصَرَفَ.


اَلدَّرْسُ الثَّامِنُ وَ الْعِشْرُونَ وَ الْمِائَةُ
جَائِزَةُ الْكَسَلِ
صَحَائِفُ السَّبِيلِ بَدِيعٌ شَهِيرٌ مَلاَ مَزْعُومٌ اِحْتِكَامٌ شَارِعٌ

حَدٌّ جَدْوَلٌ ظَمَأٌ صِلاَءٌ حَسْوٌ عَزْوٌ وُلُوجٌ لَذْعٌ صَفَاةٌ

تِبْيَانٌ بُرْهَانٌ مَجْمَجَةٌ مَرَامٌ غِبْطَةٌ اِمْتِرَاءٌ إِنْشَادٌ
قَدْ جَاءَ فِي صَحَائِفِ التَّخِييلِ حِكَايَةٌ بَدِيعَةُ التَّمْثِيلِ

شَيْخٌ لَهُ ثَلاَثَةُ ذُكُورُ كَسَلُهُمْ بَيْنَ الْمَلاءِ شَهِيرُ

قَضَى فَرَامُوا بَعْدَهُ الْوِرَاثَهْ وَ لَمْ يَكُنْ خَلَّفَ لِلثَّلاَثَهْ

سِوَى حِمَارٍ كَانَ أَوْصَى فِيهِ لِمَنْ يُرَى الْأَكْسَلَ فِي بَنِيهِ

فَوَقَعَ الْخِلاَفُ فِي الْمَزْعُومِ وَ احْتَكَمُوا لِشَارِعٍِ حَكِيمٍ

فَقَالَ وَاحِدٌ أَنَا بَلِيدُ وَ كَسَلِي لَيْسَ لَهُ تَحْدِيدُ

قَدْ أَعْبُرُ الْجَدْوَلَ وَ الظَّمَاءُ فِي كَبِدِي نَارٌ لَهَا صِلاَءُ

فَلاَ أَذُوقَ مِنْهُ حَسْوَ طَائِرِ مِنْ كَسَلٍ عَشَّشَ فِي ضَمَائِرِي

وَ قَالَ ثَانٍ أَنَا أَمْتَازُ عَلَيْهْ بِكَسَلٍ لَمْ يَكُ مَعْزُوًّا إِلَيْهْ

قَدْ يَلِجُ الذُّبَابُ فِي وَسَطِ فَمِي تَلْذَعُنِي أَمَرَّ لَذْعٍ مُؤْلِمِ

فَلاَ أُحَرِّكُ اللِّسَانَ طَارِدا لَهَا وَ أُلْفَى كَالصَّفَاةِ جَامِدا

وَ سَكَتَ الثَّالِثُ عَنْ تِبْيَانِ مَا عِنْدَهُ مِنْ رَاجِحِ الْبُرْهَانِ

قَالَ لَهُ الشَّارِعُ فُهْ بِالْحُجَّهْ فَمَجْمَجَتْ أَلْفَاظُهُ الْمُرْتَجَّهْ

أَكْسَلُ أَنْ أَفُوهَ بِالْكَلاَمِ وَ لَوْ حَوَيْتُ غِبْطَةَ الْمُرَامِ

فَحَكَمَ الْقَاضِي لَكَ الْوَصِيَّهْ بِلاَ امْتِرا يَا أَكْسَلَ الْبَرِيَّهْ

ثُمَّ عَلاَ حِمَارَهُ وَ سَارا يُنْشِدُ فِي نَجَاحِهِ الْأَشْعَارا

اَلدَّرْسُ التَّاسِعُ وَ الْعِشْرُونَ وَ الْمِائَةُ
اَلْفِيلُ
بُرُوزٌ اِعْوِجَاجٌ عُلْبَةٌ مِرْوَحَةٌ نِصَابٌ قَلْعٌ أَرُزٌّ

ذُرَةٌ دَوْسٌ تَوْكِيلٌ تَقَلْقُلٌ إِسْنَادٌ


إِنَّ الْفِيلَ أَعْظَمُ الْحَيْوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ جُثَّةً. وَ يَبْلُغُ عُلُوُّهُ عَشْرَ أَقْدَامٍ تَقْرِيبًا. وَ هُوَ يُوجَدُ فِي الْأَقَالِيمِ الْحَارَّةِ مِنْ أَفْرِيقِيَّةِ وَ آسِيَا. وَ يَكْثُرُ فِي بِلاَدِ الْهِنْدِ وَ لاَ سِيَّمَا جَزِيرَةِ كِيلاَنَ. وَ هُوَ يُحِبُّ السُّكْنَى فِي الْغَابَاتِ الْكَثِيفَةِ وَ شَوَاطِئِ الْأَنْهُرِ. وَ هُوَ شَدِيدُ الْمَيْلِ إِلَى الْمَاءِ فَيَتَرَدَّدُ كَثِيرًا إِلَى الْجَدَاوِلِ وَ الْحِيَاضِ فَيُقِيمُ فِي الْمَاءِ سَاعَاتٍ وَ يَصُبُّ الْمَاءَ بِخُرْطُومِهِ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ وَ لَهُ أَنْفٌ طَوِيلٌ جِدًّا يُعْرَفُ بِالْخُرْطُومِ. وَ ذَنَبُهُ صَغِيرٌ جِدًّا وَ أُذُنَاهُ كَبِيرَتَانِ وَ عَيْنَاهُ صَغِيرَتَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِظَمِ رَأْسِهِ وَ لَهُ نَابَانِ عَضِيمَتَانِ جِدًّا تَبْرُزَانِ مِنْ طَرَفَيْ فَكِّهِ الْأَعْلَى. وَ هُمَا مُعْوَجَّتَانِ وَ رَأْسَاهُمَا حَادَّانِ فَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْأَسْلِحَةِ لَهُ. وَ يَصْنَعُ النَّاسُ مِنْهُمَا الْمَشَاطَ وَ الْعَلَبُ وَ الْمَرَاوِحَ وَ أَنْصِبَةَ السَّكاكِينِ وَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَدَوَاتِ وَ الْآلاَتِ الثَّمِينَةِ. وَ الْخُرْطُومُ لِلْفِيلِ بِمَنْزِلَةِ الْيَدِ لِلْإِنْسَانِ. فَيَشْرَبُ بِهِ الْمَاءَ وَ يَأْكُلُ الْحَشِيشَ وَ الْأَزْهَارَ وَ يَحُلُّ الْحِبَالَ وَ يَفْتَحُ الْأَبْوَابَ وَ يُغَلِّقُهَا. وَ فِي ظَرَفِ الْخُرْطُومِ يُوجَدُ شَيْئٌ زَائِدٌ كَالْإِصْبَعِ يَسْتَطِيعُ بِهِ أَنْ يَلْتَقِطَ الْإِبْرَةَ وَ غَيْرَهَا مِنَ الْأَشْيَاءِ الصَّغِيرَةِ وَ يُمْكِنُ الْفِيلَ أَنْ يَقْلَعَ بِخُرْطُومِهِ الْأَشْجَارَ الْعَظِيمَةَ. وَ الْفِيلُ يَقْتَاتُ بِالْحَشِيشِ وَ أَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ وَ أَعْصَانِهَا وَ الْهَوَامِ وَ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَ أَحَبُّ مَا يَأْكُلُهُ الْفَوَاكِهُ. وَ قَدْ يَقْصُدُ مَزْرُوعَاتِ الْأرز و الذّرة فَيَأْكُلُهَا وَ يَدُوسُهَا بِأَقْدَامِهِ. وَ الْفِيَلَةُ فِي الْبَرِّيَةِ تَمْشِي جَمَاعَاتٍ كَقَطِيعِ الْغَنَمِ. وَ يَمْشِي الْأَكْبَرُ فِي السِّنِّ أَمَامَهَا وِقَايَةً لَهَا مِنَ الْعَدُوِّ وَ الَّذِينَ هُمْ صِغَارٌ فِي السِّنِّ يَكُونُونَ وَرَاءَ الْجَمِيعِ. وَ أَمَّا الْبَقِيَّةُ فَتَكُونُ فِي الْوَسَطِ. وَ الصِّغَارُ الَّتِي لاَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ تَحْمِلُهَا أُمَّهَاتُهَا عَلَى خَرَاطِيمِهَا. وَ الْفِيلُ قَابِلٌ لِلتَّرْبِيَّةِ وَ التَّعْلِيمِ. وَ هُوَ مَوْصُوفٌ بِالْفَهْمِ وَ الذَّكَاءِ. وَ هُوَ يَخْدِمُ صَاحِبَهُ بِأَمَانَةٍ زَائِدَةٍ وَ يَخْضَعُ لَهُ خُضُوعًا تَامًّا بِشَرْطِ أَنْ لاَ يُؤْذَى بِدُونِ سَبَبٍ وَ يَفْهَمُ إِشَارَاتِ صَاحِبِهِ حَتَّى الْكَلاَمَ. وَ أَهْلُ الْهِنْدِ يَسْتَخْدِمُونَهُ فِي جَرِّ الْمَرَاكِبِ وَ بِنَاءِ الْجُسُورِ وَ حَمْلِ الْأَحْمَالِ الثَّقِيلَةِ فَهُوَ يُتِمُّ مَا وُكِّلَ بِهِ مِنَ الْعَمَلِ بِكُلِّ انْتِبَاهٍ فَقَدْ يُنْزِلُ الْأَحْمَالَ عَنْ ظَهْرِهِ بِدِقَّةٍ زَائِدَةٍ خَوْفًا مِنْ أَنْ تُكْسَرَ أَوْ تُتْلَفَ وَ بَعْدَ أَنْ يَضَعَهَا فِي الْأَرْضِ يُحَرِّكُهَا فَإِذَا رَأَى أَنَّهَا مُتَقَلْقِلَةٌ يَأْتِي بِحَجَرٍ فَيُسْنِدُهَا إِلَيْهِ.
اَلدَّرْسُ الثَّلاَثُونَ وَ الْمِائَةُ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ السَّارِقُ أأأتايسرؤر
دَخَلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ الْمَسْجِدَ وَ قَالَ لِرَجُلٍ كَانَ وَاقِفًا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَمْسِكْ بَغْلَتِي. فَأَخَذَ الرَّجُلُ لِجَامَهَا وَ مَضَى وَ تَرَكَ الْبَغْلَةَ. فَخَرَجَ عَلِيٌّ وَ فِي يَدِهِ دِرْهَمَانِ لِيُكَافِئَ بِهِمَا الرَّجُلَ عَلَى امْسَاكِهِ بَغْلَتَهُ فَوَجَدَهَا وَاقِفَةً بِغَيْرِ لِجَامٍ فَرَكِبَهَا وَ مَضَى وَ رَفَعَ لِغُلاَمِهِ الدِّرْهَمَيْنِ يَشْتَرِي بِهِمَا لِجَامًا. فَوَجَدَ الْغُلاَمُ اللِّجَامَ فِي السُّوقِ قَدْ بَاعَهُ السَّارِقُ بِدِرْهَمَيْنِ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِنَّ الْعَبْدَ لَيَحْرمُ نَفْسَهُ الرِّزْقَ الْحَلاَلَ بِتَرْكِ الصَّبْرِ وَ لاَ يَزْدَادُ عَلَى مَا قُدِّرَ لَهُ.
اَلدَّرْسُ الحْاَدِي وَ الثَّلاَثُونَ وَ الْمِائَةُ
اَلثَّعَالِبُ وَ الذِّئْبُ
جَوَلاَنٌ بَغْيٌ سَالِفٌ كَفَافٌ أَبُو سَرْحَانَ إِنْصَافٌ

لَمْ يُجْدِ نَفْعًا طَرْحٌ اِسْتِجَارَةٌ طَاغٍ غَارَ لَهُ تَمْكِينٌ



مَكَّنَ الثَّعَالِبَ مِنْ فَرِيسَتِهِمْ.
زَعَمُوا أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الثَّعَالِبِ خَرَجُوا يَوْمًا يَطْلُبُونَ مَا يَأْكُلُونَ. فَبَيْنَمَا هُمْ يَجُولُونَ أَصَابُوا جُثَّةَ جَمَلٍ مَيِّتٍ. فَقَالُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَجَدْنَا مَا نَعِيشُ بِهِ زَمَانًا طَوِيلاً وَ لَكِنَّ نَخَافُ أَنْ يَبْغِيَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَطْلُبَ حَكَمًا يَحْكُمُ بَيْنَنَا وَ نَجْعَلَ لَهُ نَصِيبًا. فَلاَ يَكُونُ لِلْقَوِيِّ سُلْطَةً عَلَى الضَّعِيفِ. وَ فِيمَا هُمْ يَتَشَاوَرُونَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ذِئْبٌ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنْ أَصَابَ رَأْيُكُمْ فَاجْعَلُوا هَذَا الذِّئْبَ حَكَمًا لِأَنَّهُ أَقْوَى النَّاسِ وَ أَبُوهُ كَانَ سُلْطَانًا عَلَيْنَا فِي سَالِفِ الزَّمَانِ. وَ نَحْنُ نَرْجُو مِنَ اللهِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَنَا. ثُمَّ إِنَّهُمْ تَوَجَّهُوا إِلَيْهِ وَ أَخْبَرُوهُ بِمَا صَارَ إِلَيْهِ رَأْيُهُمْ. وَ قَالُوا قَدْ حَكَّمْنَاكَ بَيْنَنَا لِتُعْطِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا مَا يَقُوتُهُ كُلَّ يَوْمٍ. فَأَجَابَهُمُ الذِّئْبُ إِلَى قَوْلِهِمْ وَ قَسَمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كَفَافَهُ. وَ لَمَّا كَانَ الْغَدُ قَالَ الذِّئْبُ فِي نَفْسِهِ إِنَّ قِسْمَةَ هَذَا الْجَمَلِ بَيْنَ هَؤُلاَءِ الْعَاجِرِينَ لاَ يَعُودُ عَلَيَّ مِنْهَا شَيْئٌ إِلاَ الْجُزْءُ الَّذِي جَعَلُوهُ لِي. وَ إِنْ أَكَلْتُهُ وَحْدِي فَهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ لِي ضُرًّا. مَعَ أَنَّهُمْ غَنَمٌ لِي وَ لِأَهْلِ بَيْتِي فَمَنِ الَّذِي يَمْنَعُنِي عَنْ أَخْذِ هَذَا لِنَفْسِي؟ وَ لَمَّا أَصْبَحَ الثَّعَالِبُ جَاؤُوا إِلَيْهِ عَلَى الْعَادَةِ يَطْلُبُونَ مِنْهُ قُوتَهُمْ. فَقَالُوا لَهُ يَا أَبَا سَرْحَانَ أَعْطِنَا قُوتَ يَوْمِنَا. فَقَالَ مَا بَقِيَ عِنْدِي شَيْئٌ أُعْطِيهِ لَكُمْ. فَذَهَبُوا مِنْ عِنْدِهِ عَلَى أَسْوَءِ حَالٍ. ثُمَّ قَالُوا مَاذَا نَعْمَلُ وَ قَدِ ابْتَلاَنَا اللهُ بِهَذَا الْخَائِنِ الْغَادِرِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَعَلَّ الَّذِي حَمَلَ الذِّئْبَ عَلَى هَذَا ضَرُورَةُ الْجُوعِ فَدَعُوهُ الْيَوْمَ يَأْكُلُ مِنْهُ حَتَّى يَشْبَعُ وَ فِي الْغَدِ نَذْهَبُ إِلَيْهِ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا تَوَجَّهُوا إِلَيْهِ وَ قَالُوا لَهُ يَا أَبَا سَرْحَانَ إِنَّمَا وَلَّيْنَاكَ أَمْرَنَا لِأَجْلِ أَنْ تَدْفَعَ لِكُلٍّ مِنَّا قُوتَهُ وَ تُنْصِفَ الضَّعِيفَ مِنَ الْقَوِيِّ. وَ إِذَا نَفِدَ، نَجْتَهِدُ فِي تَحْصِيلِ غَيْرِهِ وَ نَصِيرُ دَائِمًا تَحْتَ حِمَايَتِكَ وَ رِعَايَتِكَ وَ نَحْنُ قَدْ مَسَّنَا الْجُوعُ فَأَعْطَنَا قوُتَنَا فَلَمْ يَرُدَّ الذِّئْبُ عَلَيْهِمْ جَوَابًا بَلِ ازْدَادَ قَسْوَةً. وَ رَجَعُوا مَرَّةً ثَانِيَةً فَلَمْ يُجْدِ نَفْعًا. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لَيْسَ لَنَا عَلَيْهِ حِيلَةٌ إِلاَ أَنْ نَنْطَلِقَ إِلَى الْأَسَدِ وَ نَطْرَحَ أَنْفُسَنَا عَلَيْهِ وَ نَجْعَلَ لَهُ الْجَمَلَ. فَإِنْ أَحْسَنَ عَلَيْنَا بِشَيْئٍ مِنْهُ كَانَ مِنْ فَضْلِهِ وَ إِلاَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ هَذَا الْخَبِيثِ. ثُمَّ انْطَلَقُوا إِلَى الْأَسَدِ وَ أَخْبَرُوهُ بِمَا كَانَ لَهُمْ مَعَ الذِّئْبِ وَ قَالُوا لَهُ نَحْنُ عَبِيدُكَ وَ قَدْ جِئْنَاكَ مُسْتَجِرِينَ بِكَ لِتُخَلِّصَنَا مِنْ هَذَا الطَّاغِي. فَلَمَّا سَمِعَ الْأَسَدُ كَلاَمَ الثَّعَالِبِ أَخَذَتْهُ الْحَميَّةُ وَ غَارَ وَ مَضَى مَعَهُمْ إِلَى الذِّئْبِ. فَلَمَّا رَأَى الذِّئْبُ الْأَسَدَ مُقْبِلاً طَلَبَ الْفِرَارَ فَجَرَى الْأَسَدُ خَلْفَهُ وَ قَبَضَ عَلَيْهِ وَ مَزَّقَهُ قِطْعًا وَ مَكَّنَ الثَّعَالِبَ مِنْ فَرِيسَتِهِمْ. فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَعْدِلْ فِي حُكْمِهِ تَكُونُ عَاقِبَتُهُ الْهَلاَكُ.
اَلدَّرْسُ الثَّانِي وَ الثَّلاَثُونَ وَ الْمِائَةُ
لَطَائِفُ
طُفَيْلِيٌّ سَمٌّ دُون إِحْجَالٌ صَائِغٌ مَبْهُوتٌ مَلاَحٌ
دَخَلَ لِصٌّ عَلَى بَعْضِ الْفُقَرَاءِ فَفَتَّشَ الْبَيْتَ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ شَيْئًا. فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيْتِ إِذَا خَرَجْتَ فَأَغْلِقِ الْبَابَ. قَالَ اللِّصُّ مِنْ كَثْرَةِ مَا أَخَذْتُ مِنْ بَيْتِكَ تَسْتَخْدِمُنِي؟

دَخَلَ طُفَيْلِيٌّ عَلَى قَوْمٍ يَأْكُلُونَ فَقَالَ مَا تَأْكُلُونَ؟ قَالُوا سَمًّا. فَأَدْخَلَ يَدَهُ وَ قَالَ الْحَيَاةُ حَرَامٌ بَعْدَكُمْ.

دَخَلَ لُصُوصٌ فِي بَيْتِ رَجُلٍ يَطْلُبُونَ شَيْئًا وَرَآهُمْ يَدُورُونَ فِي الْبَيْتِ. فَقَالَ يَا فِتْيَانُ هَذَا الَّذِي تَطْلُبُونَهُ فِي اللَّيْلِ قَدْ طَلَبْنَاهُ فِي النَّهَارِ فَمَا وَجَدْنَاهُ. فَضَحِكُوا وَ خَرَجُوا.

مَرَّ طُفَيْلِيٌّ عَلَى قَوْمٍ كَانُوا يَأْكُلُونَ وَ قَدْ أَغْلَقُوا الْبَابَ دُونَهُ فَتَسَوَّرَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْجِدَارِ وَ قَالَ مَنَعْتُمُونِي مِنَ الْأَرْضِ فَجِئْتُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ.

قَالَ الْجَاحِظُ مَا أَحْجَلَنِي قَطُّ إِلاَ امْرَأَةٌ مَرَّتْ بِي إِلَى فَنَّانٍ فَقَالَتْ لَهُ اعْمَلْ مِثْلَ هَذَا. فَبَقِيتُ مَبْهُوتًا ثُمَّ سَأَلْتُ الصَّائِغَ. فَقَالَ هَذِهِ امْرَأَةٌ أَرَادَتْ أَنْ أَعْمَلَ لَهَا صُورَةَ شَيْطَانٍ. فَقُلْتُ لاَ أَدْرِي كَيْفَ أُصَوِّرُهُ. فَأَتَتْ بِكَ إِلَيَّ لِأُصَوِّرَهُ عَلَى صُورَتِكَ.

دَقَّ رَجُلٌ عَلَى عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ الْبَابَ. فَقَالَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ أَنَا. لَسْتُ أَعْرِفُ أَحَدًا إِسْمُهُ أَنَا.

رَكِبَ نَحَوِيُّ سَفِينَةً فَقَالَ لِلْمَلاَحِ أَتَعْرِفُ النَّحْوَ؟ قَالَ لاَ. قَالَ ذَهَبَ نِصْفُ عُمْرِكَ. فَهَاجَتِ الرِّيحُ وَ اضْطَرَبَتِ السَّفِينَةُ فَقَالَ الْمَلاَحُ أَتَعْرِفُ السِّبَاحَةَ؟ قَالَ لاَ. قَالَ ذَهَبَ كُلُّ عُمْرِكَ.
اَلدَّرْسُ الثَّالِثُ وَ الثَّلاَثُونَ وَ الْمِائَةُ
قَصِيدَةٌ حكَمِيَّةٌ
إِغَاثَةٌ بَائِسٌ مَلْهُوفٌ سُقْمٌ سَاعِدٌ بَنَانٌ مُسَاعَدَةٌ مُعَاضَدَةٌ

يَأْسٌ فَرَجٌ تَعَنِّي سَمِجٌ عُنْوَانٌ مَلِيحٌ إِنْثِنَاءٌ زُخْرُفٌ وَرَى



مَنْ عَرَفَ اللهَ أَزَالَ التُّهْمَهْ وَ قَالَ كُلَّ قَوْلِهِ لِحِكْمَهْ

وَ مَنْ أَغَاثَ الْبَائِسَ الْمَلْهُوف أَغَاثَهُ اللهُ أُخِيف

فَإِنَّ مِنْ خَلاَئِقِ الْكِرَامِ رَحْمَةُ ذِي الْبَلاَءِ وَ الْأَسْقَامِ

وَ إِنَّمَا الرِّجَالُ بِالْإِخْوَان وَ الْيَدُ بِالسَّاعِدِ وَ الْبَنَانِ

وَ مُوجَبُ الصَّدَاقَةِ الْمُسَاعَدَهْ وَ مُقْتَضَى الْمَوَدَّةِ الْمُعَاضَدَهْ

لاَ تَيْئَسَنْ مِنْ فَرَجٍ وَ لُطْفٍ وَ فُوَّةٍ تَظْهَرُ بَعْدَ ضُعْفٍ

تَنَالُ بِالرَّفْقِ وَ بِالتَّأَنِّي مَا لَمْ تَنَلْ بِالْحِرْصِ وَ التَّعَنِّي

لاَ خَيْرَ فِي جَسَامَةِ الْأَجْسَامِ بَلْ هُوَ فِي الْعُقُولِ وَ الْأَفْهَامِ

لاَ تَحْتَقِرْ شَيْئًا صَغِيرًا مُحْتَقَرْ فَرُبَّمَا أَسَالَتِ الدَّمَ الْإِبَرْ

كَمْ حَسَنٍ ظَاهِرُهُ قَبِيحُ وَ سَحِجٍ عُنْوَانُهُ مَلِيحُ

فَالْعَاقِلُ الْكَامِلُ فِي الرِّجَالِ لاَ يَنْثَنِي لِزُخْرُفِ الْمَقَالِ

وَ الْغَدْرُ بِالْعَهْدِ قَبِيحٌ جِدًّا شَرُّ الْوَرَى مَنْ لَيْسَ يَرْعَى الْعَهْدَا


الدرس الرابع والثلاثون وَ الْمِائَةُ
اَلدُّبُّ
قُطْرٌ قَاتِمٌ اِنْهِيَالٌ لَسْعٌ لَعْقٌ جِذْعٌ وَدَكٌ ضَخَامَةٌ تَسَلُّقٌ دَجْنٌ

حَفْرٌ فَرْعٌ سِلْسِلَةٌ جَلِيدٌ غَنِيمَةٌ بَارِدَةٌ سَاءَ خُلْقُهُ تَحْطِيمٌ


اَلدُّبُّ حَيْوَانٌ وَحْشِيٌّ يَكْثُرُ وُجُودُهُ فِي أُورُوبَّا وَ آسِيَا وَ أَمِيرَكَةَ وَ هُوَ يُحِبُّ السُّكْنَى فِي الْأَمَاكِنِ الْبَارِدَةِ. وَ لِذَلِكَ يَكْثُرُ وُجُودُهُ فِي الْأَقْطَارِ الشِّمَالِيَّةِ. وَ الَّذِي يُوجَدُ فِي الْأَقْطَارِ الْمُعْتَدِلَةِ مِنْ أُورُوبَّا يَسْكُنُ الْغَابَاتِ وَ الْجِبَالَ الْمُغَطَّاةَ بِالثَّلْجِ وَ هُوَ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ الْأَسْوَدُ وَ الْأَبْيَضُ وَ الْأَحْمَرُ وَ الْقَاتِمُ وَ الرَّمَادِيُّ. وَ هَذِهِ الْأَنْوَاعُ مُتَشَابِهَةٌ فِي الشَّكْلِ وَ الطِّبَاعِ وَ إِنِ اخْتَلَفَتْ فِي الْمَعِيشَةِ. وَ هُوَ يَقْتَاتُ بِالنَّبَاتِ وَ الْحُبُوبِ وَ الْفَوَاكِهِ. وَ لاَ يَأْكُلُ اللَّحْمَ إِلاَ عِنْدَمَا يَشْتَدُّ عَلَيْهِ الْجُوعُ وَ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُفْتَرِسًا فَيَهْجُمُ عَلَى النَّاسِ وَ الْبَهَائِمِ كَالثَّعْلَبِ وَ الذِّئْبِ وَ غَيْرِهَا. وَ هُوَ يُحِبُّ الْعَسَلَ كَثِيرًا فَيَقْصُدُ الْخَلايا الْمَوْجُودَةَ فِي الْغَابِ فَيَضْرِبُهَا بِرِجْلِهِ فَيَنْهَالُ عَلَيْهِ الْعَسَلُ فَيَأْكُلُهُ. وَ هُوَ لاَ يُبَالِي بِلَسْعِ النَّحْلِ لِأَنَّ صُوفَةُ الْكَثِيفِ يَمْنَعُ تَأْثِيرَهُ فِيهِ وَ إِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إِدْخَالِ فَمِهِ فِي الْخَلِّيَّةِ يُدْخِلُ قَائِمَتَهُ الْأَمَامِيَّةَ فِيهَا وَ يُخْرِجُهَا فَيَلْعَقُ مَا عَلَيْهَا. وَ لِلنَّاسِ حيلَةٌ فِي التَّخَلُّصِ مِنْ شَرِّهِ وَ هِيَ أَنَّهُمْ يَرْبِطُونَ الْخَلِّيَّةَ فِي جِذْعِ الشَّجَرَةِ وَ يُعَلِّقُونَ تَحْتَهَا خَشَبَةً ضَخْمَةً فَإِذَا رَقِيَ الدُّبُّ فِي الشَّجَرَةِ لِيَأْكُلَ الْعَسَلَ ضَرَبَتْهُ الْخَشَبَةُ فِي رَأْسِهِ فَمَنَعَتْهُ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْخَلِّيَّةِ.

وَ الدُّبُّ يَمْكُثُ أَكْثَرَ الشِّتَاءِ فِي وِجَارِهِ وَ يَقْتَاتُ بِمَا جَمَعَ مِنَ النَّبَاتِ فِي فَصْلِ الصَّيْفِ. فَإِذَا نَفِدَ يَتَغَذَّى بِمَا فِيهِ مِنَ الْوَدَكِ الَّذِي يَذُوبُ شَيْئًا فَشَيْئًا. وَ لِذَلِكَ يَخْرُجُ الدَّبُّ مِنْ وِجَارِهِ فِي الرَّبِيعِ هَزِيلاً. وَ طُولُ الدُّبِّ الْعَادِيِّ خَمْسُ أَقْدَامٍ. وَ لَهُ عَيْنَانِ صَغِيرَتَانِ وَ ذَنَبٌ قَصِيرٌ. وَ نَظَرُهُ حَادٌ وَ حَاسَّةُ الشَّمِّ فِيهِ قَوِيَّةٌ. وَ هُوَ سَرِيعُ الْحَرَكَةِ يَتَسَلَّقُ الْأَشْجَارَ بِسُهُولَةٍ رَغْمًا عَنْ ضَخَامَةِ جِسْمِهِ. وَ لَهُ مَقْدِرَةٌ عَلَى السِّبَاحَةِ، وَ يَقِفُ عَلَى رِجْلَيْهِ زَمَنًا يَسِيرًا. وَ لَهُ فِطْنَةٌ وَ ذَكَاءٌ يَقْبَلُ الدَّجْنَ وَ التَّعْلِيمَ وَ لاَ سِيَّمَا إِذَا صِيدَ صَغِيرًا. وَ هُوَ يُصَادُ لِلْحُصُولِ عَلَى جِلْدِهِ الَّذِي يُصْنَعُ مِنْهُ الْفِرَاءُ وَ شَحْمِِهِ الَّذِي تُعَالِجُ بِهِ الْأَمْرَاضُ الْعَصَبِيَّةُ. وَ بَعْضُ النَّاسِ يَأْكُلُونَ لَحْمَهُ. وَ يَصِيدُوهُ الصَّيَّادُونَ حَيًّا بِطَرِيقَةٍ غَرِيبَةٍ وَ هِيَ أَنَّهُمْ يَحْفُرُونَ فِي طَرِيقِهِ حُفْرَةً وَ يُغَطُّونَهَا بِفُرُوعِ الْأَشْجَارِ فَيَسْقُطُ عَلَيْهَا الثَّلْجُ وَ يُغَطِّيهَا. فَعِنْدَمَا يَمُرُّ عَلَيْهَا الدُّبُّ يَسْقُطُ فِيهَا فَيُمْسِكُونَهُ بِوَضْعِ سِلْسِلَةٍ فِي رَقَبَتِهِ. وَ الدُّبُّ الْأَبْيَضُ يَسْكُنُ الْجِهَاتِ الشِّمَالِيَّةِ حَيْثُ يَشْتَدُّ الْبَرْدُ وَ يَجْمُدُ الْمَاءُ حَتَّى فِي فَصْلِ الصَّيْفِ. وَ هُوَ يُحِبُّ السُّكْنَى فِي شَوَاطِئِ الْبَحْرِ وَ يَتَغَذَّى مِنْ سَمَكِ الْبَحْرِ وَ الْحَيْوَانِ الْمَعْرُوفِ بِاسْمِ الْفُقْمَةِ. وَ هُوَ لاَ يُبَالِي بِالْبَرْدِ الْقَارِسِ لِأَنَّ صُوفَهُ كَثِيفٌ جِدًّا يَمْنَعُ وُصُولَ الْبَرْدِ إِلَيْهِ. وَ هُوَ مَاهِرٌ فِي السِّبَاحَةِ فَيَسْبَحُ مِنْ جَلِيدٍ إِلَى جَلِيدٍ فِي طَلَبِ الْفَرِيسَةِ. فَإِذَا حَلَّ بِهِ التَّعَبُ رَكِبَ قِطْعَةَ جَلِيدٍ حَتَّى يَصِلَ إِلَى الْبَرِّ. وَ كَثِيرًا مَا يَذُوبُ الثَّلْجُ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَى الشَّاطِئِ فَيَفْرَقُ وَ يَكُونُ غَنِيمَةً بَارِدَةً لِلصَّيَّادِينَ الَّذِينَ يَبْحَثُونَ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ لِلْحُصُولِ عَلَى جِلْدِهِ. وَ إِذَا اشْتَدَّ عَلَى الدُّبِّ الْأَبْيَضِ الْجُوعُ يَسُوءُ خُلْقُهُ جِدًّا فَلاَ يَلْقَى أَحَدًا إِلاَ وَثَبَ عَلَيْهِ وَ حَطَّمَهُ. وَ فِي الصُّورَةِ الْمَوْضُوعَةِ فِي هَذَا الدَّرْسَ تَرَى ثَلاَثَةَ أَدْبَابٍ قَدْ تَعَلَّقَتْ بِالْقَارِبِ وَ تُرِيدُ أَنْ تَفْتَرِسَ رُكَّابَهُ الَّذِينَ يُدَافِعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِالْمَجَاذِيفِ.


اَلدَّرْسُ الْخَامِسُ وَ الثَّلاَثُونَ وَ الْمِائَةُ
إِنَّ لِلْعَالَمِ خَالِقًا
صَانِعٌ إِقْنَاعٌ بَيْنَ يَدَيْهِ صَدْرٌ أَكَابِرُ أَعْيَانٌ تَبَدُّدٌ

بَصَرٌ تَوَصُّلٌ مَحْضٌ مَقْضِيٌّ وَ كَانَ أَمْرُهُ مَقْضِيًا

قَالَ بِنَفْيِ الصَّانِعِ
حُكِيَ أَنَّ دَهْرِيًّا جَاءَ إِلَى هَارُونَ الرَّشِيدِ وَ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدِ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ عَصْرِكَ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَ أَمْثَالِهِ عَلَى أَنَّ لِلْعَالَمِ صَانِعًا. فَمُرْ مَنْ كَانَ فَاضِلاً مِنْ هَؤُلاَءِ أَنْ يَحْضُرَ هَهُنَا حَتَّى أَبْعَثَ مَعَهُ بَيْنَ يَدَيْكَ وَ أُقْنِعَهُ بِأَنَّ لَيْسَ لِلْعَالَمِ صَانِعٌ. فَأَرْسَلَ هَارُونُ الرَّشِيدُ إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَ قَالَ يَا إِمَامَ الْمُسْلِمِينَ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ إِلَيْنَا الدَّهْرِيُّ وَ هَوُ يَقُولُ بِنَفْيِ الصَّانِعِ وَ يَدْعُوكَ إِلَى الْمُنَاظَرَةِ. فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَذْهَبُ بَعْدَ الظُّهْرِ. فَجَاءَ رَسُولُ الْخَلِيفَةِ بِمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. فَأَرْسَلَ ثَانِيَةً. فَقَامَ أَبُو حَنِيفَةَ وَ أَتَى إِلَى هَارُونَ الرَّشِيدِ. فَاسْتَقْبَلَهُ هَارُونُ وَ جَاءَ بِهِ وَ أَجْلَسَهُ فِي الصَّدْرِ وَ قَدِ اجْتَمَعَ الْأَكَابِرُ وَ الْأَعْبَانُ. فَقَالَ الدَّهْرِيُّ يَا أَبَا حَنِيفَةَ لِمَ أَبْطَأْتَ فِي مَجِيئِكَ؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ قَدْ حَصَلَ بِي أَمْرٌ عَجِيبٌ فَلِذَلِكَ أَبْطَأْتُ. وَ ذَلِكَ أَنَّ بَيْتِي وَرَاءَ دِجْلَةَ فَخَرَجْتُ مِنْ مَنْزِلِي وَ جِئْتُ إِلَى جَنْبِ دِجْلَةَ حَتَّى أَعْبُرَ. فَأَلْفَيْتُ سَفِينَةً عَتِيقَةً مُقَطَّعَةً قَدْ تَبَدَّدَتْ أَلْوَاحُهَا. فَلَمَّا وَقَعَ بَصَرِي عَلَيْهَا اضْطَرَبَتِ الْأَلْوَاحُ وَ تَحَرَّكَتْ وَ اجْتَمَعَتْ وَ تَوَصَّلَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَ صَارَتِ السَّفِينَةُ صَحِيحَةً بِلاَ نَجَّارٍ وَ لاَ عَمَلِ عَامِلٍ. فَقَعَدْتُ عَلَيْهَا وَ عَبَرْتُ الْمَاءَ وَ جِئْتُ. فَقَالَ الدَّهْرِيُّ اسْمَعُوا أَيُّهَا الْأَعْيَانُ مَا يَقُولُ إِمَامُكُمْ وَ أَفْضَلُ أَهْلِ زَمَانِكُمْ. فَهَلْ سَمِعْتُمْ كَلاَمًا كَهَذَا؟ كَيْفَ تَتَوَصَّلُ السَّفِينَةُ الْمَكْسُورَةُ بِلاَ عَمَلِ نَجَّارٍ؟ أَوَلَيْسَ هَذَا كَذِبًا مَحْضًا قَدْ ظَهَرَ مِنْ أَفْضَلِ عُلَمَائِكُمْ؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيُّهَا الْكَافِرُ إِذَا لَمْ تَتَوَصَّلِ السَّفِينَةُ بِلاَ صَانِعٍ وَ لاَ نَجَّارٍ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ هَذَا الْعَالَمُ مِنْ غَيْرِ صَانِعٍ؟ أَمْ كَيْفَ تَقُولُ بِنَفْيِ الصَّانِعِ؟ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ الرَّشِيدُ بِضَرْبِ عُنُقِ الدَّهْرِيِّ وَ كَانَ أَمْرُهُ مَقْضِيًّا.

اَلدَّرْسُ السَّادِسُ وَ الثَّلاَثُونَ وَ الْمِائَةُ


اَلْكَلْبُ
صَدُوقٌ جَلِيسٌ تَرَاكُمٌ ضَلاَلٌ سِوِيسْرَا ضَبَابٌ اهْتِدَاءٌ

مَفْقُودٌ رَمَقٌ سَدَّ بِهِ رَمَقَهُ لُنْدُرَةٌ مَنْزِلَةٌ هَرِيرٌ زَعْمٌ نَهْشٌ مُضَايَقَةٌ مُرَافَعَةٌ سِجْنٌ بَيِّنَةٌ كَبْسٌ نَبْشٌ اِسْتِنْطَاقٌ


اَلْكَلْبُ حَيْوَانٌ أَلِيفٌ نَافِعٌ لِلْإِنْسَانِ جِدًّا يَمْتَازُ بِالْإِخْلاَصِ التَّامِّ فِي مَحَبَّةِ صَاحِبِهِ. يَذْكُرُ الْخَيْرَ وَ الْجَمِيلَ وَ يَصْبِرُ عَلَى الْأَذَى صَبْرًا جَمِيلاً. وَ هُوَ خَادِمٌ أَمِينٌ وَ صَدِيقٌ صَدُوقٌ وَ جَلِيسٌ أَنِيسٌ لِصَاحِبِهِ لَهُ فِطْنَةٌ وَ ذَكَاءٌ يَفْهَمُ الْإِشَارَاتِ وَ الْكَلاَمَ وَ يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الْحَيْوَانَاتِ. وَ مَنَافِعُهُ كَثِيرَةٌ لِلْإِنْسَانِ. يَحْرُسُ الْبُيُوتَ وَ يَرْعَى الْمَوَاشِيَ وَ يُسْتَخْدَمُ فِي الصَّيْدِ. وَ يُوجَدُ فِي سِيبِيرْيَا نَوْعٌ مِنَ الْكِلاَبِ يُسْتَخْدَمُ فِي جَرِّ الْمَرَاكِبِ الشَّتَوِيَّةِ حَيْثُ لاَ يَصْلُحُ الْخَيْلُ لِهَذَا الشَّأْنِ لِكَثْرَةِ الثُّلُوجِ وَ تَرَاكُمِهَا. َو يُوجَدُ مِنْهُ صِنْفٌ يُسْتَخْدَمُ فِي الْبَحْثِ عَنِ الضَّالِّينَ عَنِ الطَّرِيقِ فَفِي جَبَلِ "الْقِدِّيسِ بَرْنَارَ" بِسِوِيسْرَا حَيْثُ يَقْصُدُ السَّائِخُونَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَ يَضِلُّ بَعْضُهُمْ عَنِ الطَّرِيقِ لِكَثْرَةِ الضَّبَابِ وَ الثُّلُوجِ خُصُوصًا فِي اللَّيَالِي الْحَالِكَةِ يُعَدُّ نَوْعٌ مِنَ الْكِلاَبِ لِإِنْفَاذِ هَؤُلاَءِ الضَّالِّينَ. فَهُمْ يُعَلِّقُونَ فِي عُنُقِ الْكَلْبِ سُلَيْلَةً وَ يَضَعُونَ فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ السَّائِحُ مِنَ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ وَ بَعْضِ الْأَدْوِيَةِ الضَّرُورِيَّةِ فَيُرْسِلُونَهُ لِلْبَحْثِ عَنِ الضَّالِّ. وَ حِينَمَا يَهْتَدِي الْكَلْبُ إِلَيْهِ يَأْخُذُ فِي النُّبَاحِ لِلْإِعْلاَمِ بِمَكَانِ الْمَفْقُودِ. وَ يَأْخُذُ السَّائِحُ مَا فِي السُّلَيْلَةِ وَ يَسُدُّ بِهِ رَمَقَهُ إِلَى أَنْ يُبْحَثَ عَنْهُ وَ يُؤْخَذَ إِلَى مَنْزِلِهِ. وَ فِي لُنْدُرَةَ يُوجَدُ صِنْفٌ مِنَ الْكِلاَبِ أُعِدَّ لِإِنْقَاذِ الْغَرْقَى. وَ الْآنَ آتِيكُمْ بِحَادِثَةٍ تَعْرِفُونَ مِنْهَا دَرَجَةَ حُبِّ الْكَلْبِ لِصَاحِبِهِ وَ إِخْلاَصِهِ لَهُ وَ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُ: كَانَ لِرَجُلٍ كَلْبٌ قَدْ رَبَّاهُ وَ اعْتَنَى بِهِ. وَ كَانَ الْكَلْبُ يُحِبُّهُ وَ لاَ يُفَارِقُهُ. فَخَرَجَ الرَّجُلُ يَوْمًا إِلَى الْبَرِّيَّةِ وَ مَعَهُ كَلْبُهُ. فَاتَّفَقَ أَنَّهُ مَرَّ بِقُرْبِ دَارٍ كَانَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ صَاحِبِهَا عَدَاوَةٌ. فَلَمَّا رَآهُ صَاحِبُ الدَّارِ قَبَضَ عَلَيْهِ هُوَ جَمَاعَةٌ مِنْ جِيرَانِهِ فَقَتَلُوهُ وَ اخْفَوْا جُثَّتَهُ. وَ كَانَ الْكَلْبُ قَدْ دَفَعَ عَنْ صَاحِبِهِ جُهْدَ طَاقَتِهِ حَتَّى جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا. وَ لَمَّا لَمْ يَبْقَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْمُدَافَعَةِ عَادَ إِلَى بَيْتِ صَاحِبِهِ وَ هُوَ يَنْبَحُ وَ يَهِرُّ. وَ كَانَ لِصَاحِبِ الْكَلْبِ أُمٌّ عَجُوزٌ. فَلَمَّا رَأَتِ الْكَلْبَ قَدْ رَجَعَ وَحْدَهُ َو هُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ قَلِقَتْ كَثِيرًا وَ ظَنَّتْ أَنَّ ابْنَهَا قَدْ قُتِلَ وَ أَنَّ جِرَاحَ الْكَلْبِ مِنْ قَاتِلِ وَلَدِهَا. وَ لَمَّا مَضى الْيَوْمُ الثَّانِي وَ لَمْ يَرْجِعِ ابْنُهَا تَأَكَّدَتْ صِحَّةَ زَعْمِهَا. وَ كَانَ الْكَلْبُ يَطُوفُ فِي شَوَارِعِ الْمَدِينَةِ وَ أَزَقَّتِهَا إِلَى أَنْ وَقَعَ يَوْمًا بِقَاتِلِ صَاحِبِهِ فَعَرَفَهُ وَ هَجَمَ عَلَيْهِ وَ نَهَشَهُ وَ لَمْ يَتْرُكْهُ. فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ اجْتَهَدُوا فِي تَخْلِيصِهِ فَلَمْ يُمْكِنُهُمْ ذَلِكَ. فَجَاءَ الْحُرَّاسُ وَ رَأُوا مُضَايَقَةَ الْكَلْبِ لِلرَّجُلِ فَقَالُوا لاَبُدَّ لِهَذَا الْكَلْبِ مِنْ حِكَايَةٍ وَ لَعَلَّهُ هُوَ الَّذِي جَرَحَهُ.وَ لَمَّا سَمِعَتْ أُمُّ الْقَتِيلِ الضَّجَّةَ خَرَجَتْ إِلَى حَيْثُ الضَّجِيجُ فَرَأَتِ الْكَلْبَ مُتَعَلِّقًا بِالرَّجُلِ وَ كَانَتْ عِنْدَمَا نَظَرَتِ الرَّجُلَ عَرَفَتْهُ أَنَّهُ أَحَدُ خُصُومِ ابْنِهَا. فَوَقَعَ فِي نَفْسِهَا أَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ فَصَاحَتْ قَائِلَةً مَا قَتَلَ وَلَدِي غَيْرُ هَذَا الرَّجُلِ ثُمَّ إِنَّهَا ادَّعَتْ عَلَيْهِ وَ رَافَعَتْهُ إِلَى الْقَاضِي. فَأَنْكَرَ الرَّجُلُ قُدَّامَ الْقَاضِي فَسَجَنَهُ فَأَقَامَ أَيَّامًا فِي السِّجْنِ وَ الْكَلْبُ مُلاَزِمٌ بَابَهُ. وَ إِذْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى الْقَتْلِ أَطْلَقَهُ. فَلَمَّا خَرَجَ تَعَلَّقَ عَلَيْهِ الْكَلْبُ وَ كَانَ الْقَاضِي يَنْظُرُ إِلَى ذَلِكَ فَتَحَقَّقَ عِنْدَهُ أَنَّهُ هُوَ الْقَاتِلُ. فَرَاءَ النَّاسُ و فَرَّقُو بَيْنَ الْكَلْبِ وَ الرَّجُلِ فَذَهَبَ إِلَى بَيْتِهِ مُطْمَئِنًّا. وَ كَانَ الْكَلْبُ يَسْعَى خَلْفَهُ مُجْتَهِدًا فَقَامَ الْقَاضِي وَ تَبِعَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُ بِهِ إِلَى أَنْ دَخَلَ الرَّجُلَ بَيْتَهُ فَدَخَلَ الْكَلْبُ خَلْفَهُ. ثُمَّ دَخَلَ الْقَاضِي وَ كَبَسَ الدَّارَ. وَ كَانَ الْكَلْبُ قَدْ قَصَدَ مَوْضِعَ الْقَتِيلِ وَ أَخَذَ يَنْبُشُهُ بِمَخَالِبِهِ فَأَمَرَ الْحَاكِمُ بِنَبْشِ الْمَكَانِ فَوُجِدَ الرَّجُلُ الْمَقْتُولَ فَشَدَّدَ فِي اسْتِنْطَاقِ الْمُتَّهَمِ إِلَى أَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ وَ عَلَى رُفَقَائِهِ فَحُكِمَ بِقَتْلِهِ وَ وَقَعَ التَّفْتِيشَ عَنِ الْبَاقِينَ.

اَلدَّرْسُ السَّابِعُ وَ الثَّلاَثُونَ وَ الْمِائَةُ


اَلصَّيَّادَانِ وَ السَّمَكَاتُ
كَيَاسَةٌ تَوَاعُدٌ اِرْتِيَابٌ قُنُوطٌ طَفْوٌ مَا عَرَّجَ عَلَى شَيْئٍ
يُحْكَى أَنَّ غَدِيرًا فِيهِ ثَلاَثٌ مِنَ السَّمَكِ كَيِّسَةٌ وَ أَكْيَسُ مِنْهَا وَ عَاجِزَةٌ. وَ كَانَ ذَلِكَ الْغَدِيرُ بِمَكَانٍ مُرْتَفِعٍ لاَ يَكَادُ يَقْرَبُهُ أَحَدٌ وَ بِقُرْبِهِ نَهْرٌ جَارٍ. فَاتَّفَقَ أَنَّهُ مَرَّ بِذَلِكَ النَّهْرِ صَيَّادَانِ فَأَبْصَرَا الْغَدِيرَ فَتَوَاعَدَا أَنْ يَرْجِعَا إِلَيْهِ بِشِبَاكِهِمَا فَيَصِيدَا مَا فِيهِ مِنَ السَّمَكِ. فَسَمِعَتِ السَّمَكَاتُ قَوْلَهُمَا فَأَمَّا أَكْيَسُهُنَّ فَلَمَّا سَمِعَتْ قَوْلَهُمَا ارْتَابَتْ بِهِمَا وَ خَافَتْ مِنْهُمَا فَلَمْ تُعَرِّجَ عَلَى شَيْئٍ حَتَّى خَرَجَتْ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ الْمَاءُ مِنَ النَّهْرِ إِلَى الْغَدِيرِ فَنَجَتْ بِنَفْسِهَا. وَ أَمَّا الْكَيِّسَةُ الْأُخْرَى فَإِنَّهَا مَكَثَتْ مَكَانَهَا وَ تَهَاوَنَتْ فِي أَمْرِهَا حَتَّى جَاءَ الصَّيَّادَانِ فَلَمَّا رَأَتْهُمَا وَ عَرَفَتْ مَا يُرِيدَانِ ذَهَبَتْ لِتَخْرُجَ مِنْ حَيْثُ يَدْخُلُ الْمَاءُ. فَإِذَا بِهِمَا قَدْ سَدَّا ذَلِكَ الْمَكَانَ فَحِينَئِذٍ قَالَتْ فَرَّطْتُ وَ هَذِهِ عَاقِبَةُ التَّفْرِيطِ فَكَيْفَ الْحِيلَةُ عَلَى هَذَا الْحَالِ وَ قَلَّمَا تَنْجَحُ حِيلَةُ الْعَجَلَةِ. غَيْرَ أَنَّ الْعَاقِلَ لاَ يَقْنَطُ مِنْ مَنَافِعِ الرَّأْيِ وَ لاَ يَيْأَسُ عَلَى حَالٍ وَ لاَ يَدَعُ الرَّأْيَ وَ الْإِجْتِهَادَ. ثُمَّ إِنَّهَا تَمَاوَتَتْ فَطَفَتْ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ مُنْقَلِبَةً عَلَى ظَهْرِهَا تَارَةً وَ تَارَةً عَلَى بَطْنِهَا. فَأَخَذَهَا الصَّيَّادَانِ وَ ظَنَّاهَا مَيْتَةً فَوَضَعَاهَا عَلَى الْأَرْضِ بَيْنَ النَّهْرِ وَ الْغَدِيرِ فَوَثَبَتْ إِلَى النَّهْرِ وَ نَجَتْ وَ أَمَّا الْعَاجِزَةُ فَلَمْ تَزَلْ فِي إِقْبَالٍ وَ إِدْبَارٍ حَتَّى صِيدَتْ.
اَلدَّرْسُ الثَّامِنُ وَ الثَّلاَثُونَ وَ الْمِائَةُ
اَلْمَلاَبِيسُ
دَنَسٌ لُؤْمٌ اِرْتِدَاءٌ اِنْضِغَاطٌ رِبَاطُ الرَّقَبَةِ بَنِيقَةٌ لَحْظٌ تَشْتِيتٌ
اَلْغَرَضُ مِنَ الْمَلاَبِسِ سَتْرُ الْجِسْمِ وَ حِفْظُهُ مِنْ تَأْثِيرِ الْبَرْدِ وَ الْحَرِّ وَ سَائِرِ الْمُؤَثِّرَاتِ الْجَوِّيَّةِ. وَ حَيْثُ كَانَ هُوَ الْغَرَضُ مِنْهَا فَيَلْزَمُكَ أَنْ تَعْتَنِيَ بِنَظَافَتِهَا وَ حِفْظِهَا مِنَ الْوَسْخِ وَ الْقَدَرِ وَ التُّرَابِ لاَ بِالْإِفْرَاطِ فِي تَحْسِينِهَا وَ بَهْجَتِهَا وَ ارْتِفَاعِ ثَمَنِهَا. إِذْ زِينَةُ الرَّجُلِ بِعِلْمِهِ وَ أَدَبِهِ وَ مَعْرِفَتِهِ وَ حُسْنِ الْأَخْلاَقِ وَ كَمَالِ تَرْبِيَتِهِ لاَ بِزِينَةِ مَلاَبِسِهِ. قَالَ الشَّاعِرُ: إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَدْنَسْ مِنَ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ. فَكُلُّ رِدَاءٍ يَرْتَدِيهِ جَمِيلُ. وَ يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ الْمَلاَبِسُ مُتَوَسِّطَةً فِي السَّعَةِ بِحَيْثُ لاَ يَحْصُلُ مِنْهَا أَدْنَى انْضِفَاطٍ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَ تَعْطِيلِ سَيْرِ الدَّمِ. وَ أَنْ تَكُونَ مُنَاسِبَةً لِلْفُصُولِ وَ الْأَقَالِيمِ وَ السِّنِّ وَ الصِّحَّةِ وَ الْمَرَضِ. وَ إِيَّاكَ وَ شَدَّ رِبَاطِ الرَّقَبَةِ وَ بَنِيقَةِ الْقَمِيصِ شَدًّا قَوِيًّا وَ ضِيقَ مَلاَبِسِ الصَّدْرِ وَ الْأَرْجُلِ فَإِنَّهُ يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ الضَّرَرُ الزَّائِدُ وَ الْمَرَضُ الشَّدِيدُ وَ التَّعَبُ الدَّائِمُ. وَ يَنْبَغِي أَنْ لاَ تَكُونَ الْمَلاَبِسُ طَوِيلَةً فَيَسْرَعَ فَسَادُهَا وَ أَنْ تَكُونَ مُوَافِقَةً لِعَادَةِ أَمْثَالِ الْإِنْسَانِ فَلاَ يُسْتَعْمَلَ مِنْهَا مَا يُوجَبُ شُهْرَتَهُ وَ دَوَامَ لَحْظِهِ بِالْعُيُونِ. وَ يَنْبَغِي إِذَا أَرَدْتَ النَّوْمَ أَنْ تُعَلِّقَ مَلاَبِسَكَ فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ خَوْفًا مِنْ تَفَرُّقِهَا وَ إِلاَ أَصْبَحْتَ عِنْدَ قَصْدِ اللُّبْسِ آخِذًا فِي الْبَحْثِ عَنْهَا مُقْبِلاً هُنَا وَ مُدْبِرًا هُنَاكَ سَائِلاً شَخْصًا عَنْ إِحْدَى نَعْلَيْكَ وَ آخَرَ عَنِ الثَّانِيَةِ فَتَصِيرَ مُشَتَّتَ الْفِكْرِ ضَيِّقَ الصَّدْرِ.

اَلدَّرْسُ التَّاسِعُ وَ الثَّلاَثُونَ وَ الْمِائَةُ


اَلْقِرْدُ
رَاحَةٌ أَخْمَصُ دَمِيمٌ وَعْرٌ جِذْرٌ قَصَبُ السُّكَّرِ دُودٌ مَحَارٌ

أَفْعَى غِرَّةٌ خَزَفٌ سِلْكٌ بَرَّاقٌ اِسَاءَةٌ مُوسَى


اَلْقِرْدُ حَيْوَانٌ يُشْبِهُ الْإِنْسَانَ كَثِيرًا فِي خَلْقِهِ وَ غَالِبِ شُؤُونِهِ. وَ جِسْمُهُ مُغَطًّا بَشَعَرٍ طَوِيلٍ سِوَى رَاحَتِهِ وَ أَخْمَصِهِ فَإِنَّهُمَا خَالِيَانِ مِنَ الشَّعَرِ كَرَاحَةِ الْإِنْسَانِ وَ أَخْمَصِهِ. وَ وَجْهُهُ يَشْبَهُ وَجْهَ الْإِنْسَانِ جِدًّا. وَ هُوَ يَمْشِي عَادَةً عَلَى قَوَائِمِهِ الْأَرْبَعِ وَ رُبَّمَا مَشَى عَلَى قَدَمَيْهِ زَمَنًا يَسِيرًا. وَ الْقِرْدُ يَعِيشُ فِي الْغَابَاتِ وَ الْمَغَارَاتِ الْوُعُورِ. وَ هُوَ يُوجَدُ فِي جَزُرِ آسِيَّا الْجَنُوبِيَّةِ وَ أَمِيرَكَةَ الْجَنُوبِيَّةِ. وَ أَكْثَرُ وُجُودِهِ فِي أَفْرِيقِيَّةِ فَهِيَ مَأْوَاةٌ الْقِرْدُ وَ فِيهَا تَعِيشُ جَمَاعَاتٍ. وَ هُوَ يَقْتَاتُ بِالثِّمَارِ وَ النَّبَاتِ وَ جُذُورِهِ وَ أَحَبُّ مَا يَأْكُلُهُ كُولاَتَ الْحَلْوَةِ فَهُوَ يَتَلَذَّذُ كَثِيرًا بِامْتِصَاصِ قَصَبِ السُّكَّرِ وَ الرُّطَبِ وَ إِذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ مَا ذُكِرَ يَكْتَفِي بِأَكْلِ الدِّيدَانِ وَ غَيْرِهَا مِنَ الْحَشَرَاتِ. وَ الَّذِي يَسْكُنُ مِنْهُ السَّوَاحِلَ يَصْطَادُ الْمَحَارَ. وَ الْقِرْدُ لاَ يَخَافُ السِّبَاعَ وَ لاَ يُبَالِي بِهَا حَتَّى الْأَسَدِ. لِأَنَّهُ يَأْمَنُ مِنْ شَرِّهَا لِخِفَّتِهِ وَ سُرْعَةِ حَرَكَتِهِ وَ لَكِنَّهُ يَخَافُ الْأَفْعَى خَوْفًا شَدِيدًا فَإِنَّهَا تَأْتِيهِ عَلَى غِرَّةِ مِنْهُ وَ هُوَ فِي أَعَالِي الشَّجَرِ فَتَلْتَفُّ عَلَيْهِ فَتَضْغَطُهُ وَ تُحَطِّمُهُ. وَ الْقِرْدُ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ. مِنْهُ مَا يُسَمَّى الشَّمْبَنْزِيَّ. وَ هُوَ يَعِيشُ فِي الْمَغَاَرَاتِ الَّتِي فِي أَوَاسِطِ أَفْرِيقِيَّةَ أَسْرَابًا. وَ مَتَى هاَجَمَهُ إِنْسَانٌ أَوْ حَيْوَانٌ هَاجَمَهُ بِأَغْصَانِ الشَّجَرِ وَ رَمَاهُ بِالْحِجَارَةِ بِقُوَّةٍ غَرِيبَةٍ وَ حِذْقٍ تَامٍّ. وَ هُوَ يَبْنِي لِنَفْسِهِ خَيْمَةً مِنْ فُرُوعِ الْأَشْجَارِ وَ أَوْرَاقِهَا عَلَى هَيْئَةٍ تَدُلُّ عَلَى فَهْمِهِ وَ إِدْرَاكِهِ. وَ هُوَ ذُو قُوَّةٍ شَدِيدَةٍ. وَ يُشْبِهُ الْإِنْسَانَ كَثِيرًا مِنْ حَيْثُ الْفَهْمِ وَ تَنَاسُبِ الْأَعْضَاءِ. وَ لَهُ مَقْدِرَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى التَّقْلِيدِ فَيَفْعَلُ كَمَا تَفْعَلُ أَمَامَهُ. وَ مِنْهُ نَوْعٌ يُسَمَّى الْأُورَانَ أُوتَانَ. وَ هُوَ يَمْتَازُ عَنِ الشَّمْبَانْزِيِّ بِطُولِ يَدَيْهِ بِحَيْثُ يَصِلاَنِ إِلَى الْأَرْضِ وُ هُوَ قَائِمٌ. وَ لِلذَّكَرِ مِنْهُ لِحْيَةٌ طَوِيلَةٌ وَ أَمَا الْأُنْثَى فَبِلاَ لِحْيَةٍ. وَ هُوَ يَعِيشُ فِي الْغَابَاتِ فَوْقُ الْأَشْجَارِ وَ يَتَغَذَّى بِالْفَوَاكِهِ وَ الْبِيضِ وَ الْحَشَرَاتِ وَ أَحْيَانًا يَأْكُلُ الطُّيُورَ. وَ لَهُ مَقْدِرَةٌ غَرِيبَةٌ عَلَى الْقَفْزِ وَ الْجَرْيِ. وَ هُوَ يَكْثُرُ فِي غَابَاتِ مَلَقَّةَ وَ صُوَمَتْرَةَ وَ بُورْنِيُو وَ غَيْرِهَا مِنَ الْجُزُرِ. وَ مِنْهَا نَوْعٌ يُسَمَّى الْغُورِلاَ. وُ هُوَ يُشْبِهُ الشَّمْبَانْزِيَّ فِي كَثِيرٍ مِنْ شُؤُونِهِ وَ أَخْلاَقِهِ. وَ جِسْمُهُ أَكْبَرُ مِنْ جِسْمِ الْإِنْسَانِ. وَ هُوَ يَسْكُنُ الْغَابَاتِ فِي أَوَاسِطِ أَفْرِيقِيَّةَ وَ بِلاَدِ الْيَابَانِ وُ قُوَّةُ يَدَيْهِ خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ. فَهُوَ يَكْسِرُ بِهِمَا الْحَدِيدَ كَسْرَ الْخَزَفِ وَ يَطْوِي الْبُنْدُقِيَّاتِ كَدَقِيقِ الْأَسْلاَكِ. وَ مِنْ أَنْوَاعِهِ النَّسْنَاسُ. وَ هُوَ طَوِيلُ الذَّنَبِ وَ قَوَائِمُهُ الْخَلْفِيَّةُ أَطْوَلُ مِنْ قَوَائِمِهِ الْأَمَامِيَّةِ وَ أَصْلُهُ مِنْ مَدْغَشْقَرَ. وَ فَرْوَتُهُ لَطِيفَةٌ بَرَّاقَةٌ. وَ يُسَمُّونَهُ بِالْقِرْدِ الثَّعْلَبِيِّ وَ الْقِرْدِ الْكَاذِبِ. وَ الْقِرْدُ بِأَنْوَاعِهِ يَقْبَلُ التَّرْبِيَّةَ وَ التَّعْلِيمَ وَ يَقْدِرُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَعْمَالِ الْبَشَرِ. وَ الْأَلِيفُ مِنْهُ يَسْتَأْنِسُ بِالنَّاسِ كَثِيرًا. وَ يُرْوَى أَنَّهُمْ عَلَّمُوهُ الْأَكْلَ بِالْمِلْعَقَةِ وَ الشَّوْكَةِ لَكِنَّهُ كَانَ يُسِئُ اسْتِعْمَالَهُمَا. وَ كَانَ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ يُعْطِي مِلْعَقَتَهُ الَّذِي بِجَانِبِهِ لِيَمْلاَهَا وَ يَرُدَّهَا إِلَيْهِ. وَ الْقِرْدُ مِثَالٌ لِلتَّقْلِيدِ وَ لَكِنَّهُ لاَ يُحْسِنُ ذَلِكَ فَيُؤْذِي نَفْسَهُ. مِنْ ذَلِكَ أَنَّ قِرْدًا كَانَ يُقَلِّدُ صَاحِبَهُ الزِّنْجِيَّ فِي الْكِتَابَةِ فَكَانَ كُلَّمَا كَتَبَ الزِّنْجِيُّ شَيْئًا وَ ذَهَبَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ يَعْمِدُ إِلَى مَا كَتَبَهُ فَيَخُطُّهُ بِخُطُوطٍ مُعْوَجَّةٍ. فَأَرَادَ الزِّنْجِيُّ يَوْمًا أَنْ يَنْتَقِمَ مِنْهُ فَأَحْضَرَ مُوسًا وَ أَمَرَّهُ عَلَى رَقَبَتِهِ مِرَارًا بِجِهَتِهِ غَيْرِ الْحَادَّةِ ثُمَّ تَرَكَ الْمُوسَ مَفْتُوحًا وَ ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ كَعَادَتِهِ. وَ لَمَّا عَادَ وَجَدَ الْقِرْدَ مَيِّتًا.

اَلدَّرْسُ الْأَرْبَعُونَ وَ الْمِائَةُ


عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَ الْغُلاَمُ
وِلاَيَةٌ وَفْدٌ تَهْنِئَةٌ حِجَازِيٌّ مَنْحٌ عَبْدٌ أَخْو عِلْمٍ مَحْفِلٌ
دَخَلَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي أَوَّلِ وِلاَيَتِهِ وُفُودُ الْمُهَنِّئِينَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. فَتَقَدَّمَ مِنْ وَفْدِ الْحِجَازِيِّينَ لِلْكَلاَمِ غُلاَمٌ صَغِيرٌ لَمْ يَبْلُغْ عُمْرُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ ارْجِعْ أَنْتَ وَ لْيَتَقَدَّمْ مَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْكَ. فَقَالَ الْغُلاَمُ أَيَّدَ اللهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْمَرْء بِأَصْغَرَيْهِ قَلْبِهِ وَ لِسَانِهِ. فَإِذَا مَنَحَ اللهُ الْعَبْدَ لِسَانًا لاَفِظًا وَ قَلْبًا حَافِظًا فَقَدِ اسْتَحَقَّ الْكَلاَمَ. وَ لَوْ أَنَّ الْأَمْرَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَلْسُنٍ لَكَانَ فِي الْأُمَّةِ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْكَ بِمَجْلِسِكَ هَذَا. فَتَعَجَّبَ عُمَرُ مِنْ كَلاَمِهِ وَ أَنْشَدَ: تَعَلَّمْ فَلَيْسَ الْمَرْءُ يُولَدُ عَالِمًا

وَ لَيْسَ أَخُو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جَاهِل

وَ إِنَّ كَبِيرَ الْقَوْمِ لاَ عِلْمَ عِنْدَهُ

صَغِيرٌ إِذَا الْتَفَّتْ عَلَيْهِ الْمَحَافِلُ


اَلدَّرْسُ الْحَادِي وَ الْأَرْبَعُونَ وَ الْمِائَةُ


اَلْجَمَلُ
زَاهِرٌ نَاظِرٌ لُطْفٌ إِخْتِيَالٌ نَبِيلٌ حَوْزٌ مَضَاءٌ شَيْنٌ تَكْوِيرٌ

سَنَامٌ خِطَامٌ أُعْجُوبَةٌ قَوَامٌ إِعْتِرَاءٌ سَقَامٌ إِنْقِيَادٌ بَدْوٌ جَلَلٌ

اِسْتِدَارَةٌ إِثَارَةٌ قَفْرٌ غَوْصٌ اِسْتِطَالَةٌ مِشْفَرٌ شَوْكٌ نَصْلٌ وُجْدٌ
يَا أَيُّهَا الْمَخْدُوعُ بِالزَّاهِرِ وَ يَا قَصِيرَ الْفِكْرِ وَ النَّاظِرِ

كَرِهَتْ مِنِّي صَنْعَةَ الْقَادِرِ وَ لُمْتَنِي فِي شَكْلِي الظَّاهِرِ

مَا أَبْعَدَ الْإِنْسَانَ عَنْ حَدِّهِ مَا الْمَرْءُ بِالِّلْبسِ وَلاَ بِالْجَمَالْ

وَ لاَ بِحُسْنِ الشَّكْلِ بَيْنَ الرِّجَالْ وَ لاَ بِلُطْفِ الصَّوْتِ وَقْتَ الْمَقَالْ

وَ لاَ بِمَشْيِ الْعُجْبِ وَ الْاِخْتِيَالْ فَلَيْسَ هَذَا مُنْتَهَى قَصْدِهِ

اَلصَّبْرُ وَ الصِّدْقُ وَ فِعْلُ الْجَمِيلْ ثَلاَثَةٌ هُنَّ صِفَاتُ النَّبِيلْ

إِنْ حُزْتَهَا يَوْمًا فَأَنْتَ الْجَلِيلْ أَوَّلاً فَمَا يُغْنِيكَ قَالٌ وَ قِيلْ

فَقِيمَةُ السَّيْفِ مَضَاحَدِّهِ إِنْ شَانَنِي تَكْوِيرُ هَذَا السَّنَامْ

وَ مَا بِأَنْفِي مِنْ ثُتُوبِ الْخِطَامْ وَ أَنَّنِي أُعْجُوبَةٌ فِي الْأَنَامْ

لاَ حُسْنَ فِي الْوَجْهِ وَ لاَ فِي الْقَوَامْ فَالنَّحْلُ قَدْ يُسْأَلُ عَنْ شَهدِهِ

لِي عَزْمَةٌ لاَ يَعْتَرِيهَا سَآمْ وَ قُوَّةُ لاَ تَشْتَكِي مِنْ سَقَامْ

وَ صِدْقُ إِخْلاَصٍ لِغَيْرِ اللِّئَامْ أَنْقَادُ بِالْحُسْنَى وَ لَوْ لِلْغُلاَمْ

مَا دَامَ يَبْدُولِي صَفَاوُدِّهِ أَحْمِلُ لِلْبَدْوِ الثَّقِيلَ الْجَلَلْ

حَتَّى يَظُنَّ النَّاسُ أَنِّي جَبَلْ لَكِنَّنِي مِنْ تَحْتَ هَذَا جَمَلْ

قَدْ حَمَّلُوهُ فَوْقَ مَا يُحْتَمَلْ مَا أَعْجَزَ الْأَلْسُنَ عَنْ حَمْدِهِ

اُنْظُرْ إِلَى خُفِّيَ كَيْفَ اسْتَدَارْ وَ لْآنَ حَتَّى لاَ يُثِيرَ الْغُبَارْ

لَوْ أَنَّ رِجْلِي مِثْلُ رِجْلِ الْحِمَارْ لَشَقَّ مَشْيِي فِي رِمَالِ الْقِفَارْ

وَ غُصَتْ كَالْمَيِّتِ فِي لَحْدِهِ وَ انْظُرْ إِلَى عُنْقِيَ كَيْفَ اسْتَطَالْ

وَ مِشْفَرِي قَدْ شَقَّهُ ذُو الْجَلاَلْ فَنِلْتُ مِنْ قُوَّتِي مَا لاَ يُنَالْ

أَلْتَقِمُ الشُّوكَ وَ لَوْ كَالنِّصَالْ وَ أَلْقَطُ الشَّيْءَ عَلَى بُعْدِهِ

خُلِقْتُ لِلْأَسْفَار وَ الْإِبْتِعَادْ فَكَانَ مِنْ دَأْبِيَ بَيْنَ الْعِبَادْ

أَنْ أَمْلَأَ الْبَطْنَ بِمَاءٍ وَ زَادْ وَ أَغْتَذِي مِنْهُ بِكُلِّ اقْتِصَادْ

فِعْلَ الْفَتَى الْحَازِمِ فِي وُجْدِهِ
اَلدَّرْسُ الثَّانِي وَ الْأَرْبَعُونَ وَ الْمِائَةُ
اَلْعَنْكَبُوتُ
عَنْكَبُوتٌ بَقٌّ بَرَاعَةٌ نَسْجٌ مُبَارَةٌ مُعَادَلَةٌ فِي بَادِئِ النَّظَرِ

لُزُوجٌ ضَغْطٌ إِثْرٌ صَمْغٌ لُعَابٌ اِرْتِبَاكٌ فُقَّاعَةٌ


اَلْعَنْكَبُوتُ نَوْعٌ مِنَ الْحَشَرَاتِ. لَهَا سِتُّ أَوْ ثَمانِي عُيُونٍ وَ ثَمَانِي أَرْجَلٍ. وَ رَأْسُهُ مُتَّصِلٌ بِصَدْرِهِ اتِّصَالاً تَامًّا بِحَيْثُ يُخَيَّلُ لِلنَّاظِرِ أَنَّهُمَا شَيئٌ وَاحِدٌ. وَ هِيَ تَتَغَذَّى مِنْ صَيْدِ الذُّبَابِ وَ الْبَعُوضِ وَ الْبَقِّ وَ غَيْرِهَا مِنَ الْهَوَامِّ. وَ هِيَ بَارِعَةٌ فِي النَّسْجِ بِحَيْثُ لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنَ النَّسَّاجِينَ أَنْ يُبَارِيهَا فِيهِ. وَ هِيَ تَقْدِرُ عَلَى النَّسْجِ حِينَ تُولَدُ كَمَا تَقْدِرُ الْبَطَّةُ أَنْ تَسْبَحَ حِينَ تَخْرُج مِنَ الْبَيْضَةِ. وَ هَذَا عَطَاءٌ لَهَا مِنَ الْخَالِقِ جَلَّ شَأْنُهُ حَيْثُ خَصَّهَا بِتِلْكَ الْمَزِيَّةِ كَمَا خَصَّ سَائِرَ الْحَيْوَانَاتِ بِمَزِيَّةِ أَوْ مَزَايَا لاَ تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا. وَ نَسِيجُ الْعَنْكَبُوتِ اَلْمَعْرُوفُ بِبَيْتِهَا فِي غَايَةِ الدِّقَّةِ وَ الْإِنْتِظَامِ وَ لَكِنَّهُ سَرِيعُ الْفَنَاءِ لِأَنَّ عِدَّةَ آلاَفٍ مِنْ خُيُوطِهِ لاَ تُعَادِلُ شَعْرَةً وَاحِدَةً مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ. وَ لاَ تَظُنَّنَّ أَنَّ هَذَا النَّسِيجُ صُنِعَ عَبَثًا وِ إِنَّمَا هُوَ شَبَكَةٌ تُصِيدُ بِهَا الذُّبَابُ وَ الْبَعُوضُ وَ نَحْوَهُمَا مِنَ الْهَوَامِّ فَتَمْتَصُّ دِمَاءَهَا. وَ هَذِهِ الشَّبَكَةُ تُنْسَجُ مِنْ خُيُوطٍ دَقِيقَةٍ جِدًّا تَكَادُ لاَ تُرَى فِي بَادِئِ النَّظَرِ. وَ قَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْبَاحِثُونَ فِي كَيْفِيَةِ حُصُولِ هَذِهِ الْخُيُوطِ إِنَّ فِي بَطْنِ الْعَنْكَبُوتِ مَادَّةً سَائِلَةً لَزِجَةً فَإِذَا ضَعَطَتْ عَلَى تِلْكَ الْمَادَّةِ خَرَجَتْ مِنْ ثُقُوبٍ هُنَاكَ عَلَى صُورَةِ خُيُوطٍ دَقِيقَةٍ جِدّا وَ تَجْمُدُ إِثْرَ خُرُوجِهَا وَ مُلاَمَسَتِهَا لِلْهَوَاءِ. وَ يُكْسَى هَذَا النَّسِيجُ بِطَبَقَةٍ صَمْغِيَّةٍ مِنْ لُعَابِ الْعَنْكَبُوتِ حَتَّى إِذَا سَقَطَتْ عَلَيْهَا ذُبَابَةٌ أَوْ نَحْوُهَا الْتَصَقَتْ بِهَا فَلاَ تَسْتَطِيعُ اتَّخَلُّصَ مِنْهَا. وَ بَعْدَ أَنْ تَبْنِيَ الْعَنْكَبُوتُ بَيْتَهَا مِنْ تِلْكَ الْخُيُوطِ عَلَى شَكْلٍ مَعْرُوفٍ تَذْهَبُ إِلَى مَأْوَاهَا فَتَرْصُدُ مَا يَمُرُّ بِهِ مِنَ الْهَوَامِّ حَتَّى إِذَا مَرَّتْ بِهِ بَعُوضَةٌ أَوْ ذُبَابَةٌ وَ اشْتَبَكَتْ فِيهِ أَسْرَعَتْ إِلَيْهَا فَأَحْاطَتْهَا بِالْخُيُوطِ الصَّمْغِيَّةِ فَتَرْتَبِكُ وَ لاَ تَسْتَطِيعُ حَرَاكًا ثُمَّ تَقْتُلُهَا وَ تَتَغَذَّى بِهَا أَوْ تَأْخُذَهَا إِلَى مَأْوَاهَا وَ تَدَّخِرُهَا لِوَقْتِ الْحَاجَةِ.وَ الْعَنْكَبُوتُ أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ. مِنْهَا نَوْعٌ يُوجَدُ فِي الْبِلاَدِ الْحَارَّةِ وَ تَنْسِجُ شَبَكَةً مَتِينَةً جِدًّا بِحَيْثُ لاَ يِخْلُصُ عَنْهَا الْعُصْفُورُ الصَّغِيرُ إِذَا وَقَعَ فِيهَا. وَ مِنْهَا نَوْعٌ لاَ يَنْسِجُ لَهُ بَيْتًا بَلْ يَقْفَزُ فِي الْفَضَاءِ. فَإِذَا طَارَتْ بِقُرْبِهِ ذُبَابَةٌ وَثَبَ إِلَيْهَا وَ أَفْتَرَسَهَا. وَ هَذَا النَّوْعُ يُسَمَّى الْفَهْد لِشِبْهِهِ الْفَهْد فِي الْإِصْطِيَادِ. وَ مِنْهَا نَوْعٌ يَسْكُنُ تَحْتَ الْمَاءِ فَيَأْخُذُ فَقَاقِيعَهُ فَيَجْعَلُهَا فِي بَيْتِهِ لِيَسْتَنْشِقَ مَا حَوَتْهُ مِنَ الْهَوَاءِ. وَ مِنْهَا نَوْعٌ يَتَّخِذُ مَسَاكِنَ صَغِيرَةً فِي الْأَرْضِ يَأْوِي إِلَيْهَا وَ يَضَعُ لَهَا أَبْوَابًا لِيُغَلِّقَهَا مَتَى أَرَادَ.
اَلدَّرْسُ الثَّالِثُ وَ الْأَرْبَعُونَ وَ الْمِائَةُ
اَلْعَطَّارُ وَ الْعِقْدُ
شَعَائِرُ رَفْسٌ دُكَّانٌ فِرَاسَةٌ مَوْكِبٌ ذُهُولٌ جِرَابٌ صُلْبٌ جُحُودٌ
قَدِمَ رَجُلٌ إِلَى بَغْدَادَ وَ مَعَهُ عِقْدٌ يُسَاوِي أَلْفَ دِينَارٍ. فَرامَ أَنْ يَبِيعَهُ فَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ ذَلِكَ. فَجَاءَ إِلَى عَطَّارٍ مَوْصُوفٍ بِالْخَيْرِ وَ الدِّيَانَةِ فَأَوْدَعَ الْعِقْدَ عِنْدَهُ. ثُمَّ ذَهَبَ يُرِيدُ الْحَجَّ. وَ بَعْدَ أَنْ أَقَامَ شَعَائِرَ الْحَجِّ عَادَ إِلَى بَغْدَادَ وَ ذَهَبَ إِلَى الْعَطَّارِ وَ بِيَدِهِ هَدِيَّةٌ لَهُ. فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَى الْعَطَّارِ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَ دَفَعَ إِلَيْهِ الْهَدِيَّةَ. فَقَالَ لَهُ الْعَطَّارُ مَنْ أَنْتَ يَا صَاحِبُ ؟ فَقَالَ أَنَا صَاحِبُ الْعِقْدِ الَّذِي سَلَّمْتُهُ إِلَيْكَ وَدِيعَةً فِي وَقْتِ كَذَا. فَلَمَّا سَمِعَ الْعَطَّارُ كَلاَمَهُ رَفَسَهُ بِرِجْلِهِ فَأَلْقَاهُ عَنْ دُكَّانِهِ. فَاجْتَمَعَ النَّاسُ حَوْلَهُ يَسْأَلُونَهُ عَنْ شَأْنِهِ. فَأَخْبَرَهُمُ الْحَاجُّ بِمَا كَانَ لَهُ مَعَ الْعَطَّارِ وَ كَيْفَ رَفَسَهُ لَمَّا طَلَبَ إِلَيْهِ تَسْلِيمَ الْوَدِيعَةِ. فَقَالُوا وَيْلَكَ هَذَا رَجُلٌ صَالِحٌ فَمَا وَجَدْتَ مَنْ تَكْذِبُ عَلَيْهِ إِلاَ هَذَا؟ فَتَحَيَّرَ الْحَاجُّ. وَ كَانَ يَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ وَ يَتَلَطَّفُ مَعَهُ بِالسُّؤَالِ فَمَا زَادَهُ إِلاَ شَتْمًا وَ ضَرْبًا. فَاسْتَشَارَ الْحَاجُّ بَعْضَ أَهْلِ الرَّأْيِ فَقِيلَ لَهُ لَوْ رَفَعْتَ إِلَى عَضُدِ الدَّوْلَةِ أَمَرَكَ لَحَصَلَ لَكَ مِنْ فِرَاسَتِهِ خَيْرٌ. فَكَتَبَ قِصَّتَهُ وَ عَرَضَهَا عَلَيْهِ. فَقَالَ مَا شَأْنُكَ؟ فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ. فَقَالَ اذْهَبْ وَ اجْلِسْ فِي دُكَّانِ الْعَطَّارِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ دُونَ أَنْ تَذْكُرَ لَهُ الْعِقْدَ حَتَّى أَمُرَّ بِالدُّكَّانِ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَأَقِفُ وَ أُسَلِّمُ عَلَيْكَ فَلاَ تَرُدَّ عَلَيَّ إِلاَ السَّلاَمَ. وَ إِذَا انْصَرَفَتُ فَأعِدْ عَلَيْهِ ذِكْرَ الْعِقْدِ. ثُمَّ اَعْلمْنِي بِمَا يَقُولُ لَكَ. فَفَعَلَ الْحَاجُّ ذَلِكَ. وَ لَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ جَاءَ عَضدُ الدَّوْلَةِ فِي مَوْكِبِهِ الْعَظِيمِ. وَ حِينَ رَأَى الْحَاجَّ وَقَفَ وَ قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ. فَقَالَ الْحَاجُّ وَ عَلَيْكُمُ السَّلاَمُ وَ لَمْ يَتَحَرَّكْ. فَقَالَ يَا أَخِي تَقْدَمُ مِنَ الْعِرَاقِ وَ لاَ تَأْتِينَا وَ لاَ تَعْرِضُ عَلَيْنَا حَوَائِجَكَ. فَقَالَ مَا اتَّفَقَ هَذَا وَ لَمْ يَزِدْهُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا. هَذَا الْعَسْكَرُ وَاقِفٌ بِكَمَالِهِ. فَذَمِلَ الْعَطَّارُ وَ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ الْتَفَتَ الْعَطَّارُ إِلَى الْحَاجِّ وَ قَالَ لَهُ يَا أَخِي مَتَى أَوْدَعْتَنِي هَذَا الْعِقْدَ وَ فِي أَيِّ شَيْئٍ هُوَ مَلْفُوفٌ فَذَكِّرْنِي لَعَلِّي أَتَذَكَّرُ. فَقَالَ مِنْ صِفَتِهِ كَذَا وَ كَذَا. فَقَامَ وَ فَتَّشَ ثُمَّ ... جِرَابًا. خَرَجَ مِنْهُ الْعِقْدَ وَ قَالَ اللهُ أَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ نَاسِيًا. وَ لَوْ لَمْ تُذَكِّرْنِي لَمَا تَذَكَّرْتُ. فَأَخَذَ الْحَاجُّ الْعِقْدَ وَ مَضَى إِلَى عَضُدِ الدَّوْلَةِ .... فَعَلَّقَهُ فِي عُنُقِ الْعَطَّارِ وَ صَلَبَهُ عَلَى بَابِ دُكَّانِهِ. وَ نُودِيَ ..... مَنِ اسْتُودِعَ ثُمَّ جَحَدَ وَ أَخَذَ الْحَاجُّ الْعِقْدَ وَ مَضَى إِلَى بِلاَدِهِ.

اَلدَّرْسُ الرَّابِعُ وَ الْأَرْبَعُونَ وَ الْمِائَةُ


اَلنَّمِرُ
رَدْعٌ خَيَّالٌ مُدَاعَبَةٌ عَرَضًا شَهَامَةٌ هَطْلٌ مَشْهَدٌ

ذُبُولٌ تَذْبِيلٌ غَزَازَةٌ أَنْتَ مِنْهُ … فَاتَةٌ


إِنَّ طُولَ هَذَا الْحَيْوَانِ يَبْلُغُ ثَلاَثَ أَذْرُعٍ أَوْ يَزِيدُ. وَ عُلُوُّهُ ذِرَاعٌ وَ ثُلُثٌ وَ رَأْسُهُ أَكْثَرُ اسْتِدَارَةً مِنْ رَأْسِ الْأَسَدِ. وَ لَوْنُ جِسْمِهِ أَصْفَرُ قَاتِمٌ مِنْ فَوْقٍ وَ أَبْيَضٌ مِنْ تَحْتٍ وَ مُخَطَّطٌ بِأَلْوَانٍ حَسَنَةٍ. وَ هُوَ ذُو قُوَّةٍ وَ سَطْوَةٍ بَعِيدَةٍ وَ وَثَبَاتٍ شَدِيدَةٍ لاَ تَرْدَعُهُ سَطْوَةُ أَحَدٍ. وَ خُلُقُهُ فِي غَايَةِ الشَّرَاسَةِ وَ الضِّيقِ لاَ يُسْتَأْنَسُ بِهِ أَلْبَتَّةَ. وَ عِنْدَهُ كِبْرٌ وَ عُجْبٌ بِنَفْسِهِ. يَجُولُ فِي النَّهَارِ. وَ هُوَ لِخِفَّةِ جِسْمِهِ قَادِرٌ عَلَى الْقَفْزِ إِلَى مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ. قِيلَ إِنَّهُ يَخْطَفُ فَارِسًا مِنْ عَلَى فَرَسِهِ بَيْنَ جَيْشٍ مِنَ الْفُرْسَانِ وَ لاَ تَلْحَقُهُ الْخَيَّالَةُ مَهْمَا اجْتَهَدُوا وَ جَدُّوا. وَ وُجُودُهُ بِالْأَكْثَرِ فِي بِلاَدِ الْهِنْدِ وَ يُوجَدُ أَيْضًا مِنْهُ فِي بِلاَدِ الصِّينِ وَ غَيْرِهَا مِنْ آسِيَا الْجَنُوبِيَّةِ.

حُكِيَ عَنْ وَلَدَيْنِ كَانَا جَالِسِينَ عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ. فَخَرَجَ نَمِرٌ مِنَ الْغَابِ وَ دَنَا مِنْهُمَا وَ جَعَلَ يُلاَعِبُهُمَا. وَ كَانَ تَارَةً يُدَاعِبُهُمَا وَ تَارَةً يَخْتَفِي فِي الْغَابِ. فَاتَّفَقَ أَنَّ مَخَالِبَ النَّمِرِ جَرَحَتِ الْوَلَدَ عَرَضًا وَ أَجْرَتِ الدَّمَ. فَحِينَئِذٍ أَخَذَتْ أُخْتُهُ غُصْنَ شَجَرَةٍ كَانَ قَرِيبًا مِنْهَا وَ ضَرَبَتِ النَّمِرَ ضَرْبًا قَوِيًّا فَرَجَعَ النَّمِرُ إِلَى الْغَابِ وَ لَمْ يُؤْذِهِمَا. وَ تُحْكَى أَمْثَالٌ مِثْلُ هَذِهِ كَثِيرَةٌ عَنِ النَّمِرِ تَدُلُّ عَلَى مَا عِنْدَهُ مِنَ الشِّهَامَةِ وَ عِزَّةِ النَّفْسِ. وَ قَدْ أَخْبَرَ أَحَدُ الثِّقَاتِ أَنَّهُ كَانَ رَاكِبًا جَوَادَهُ فِي الْجِبَالِ وَ كَانَ الْبَرْدُ شَدِيدًا وَ الْأَمْطَارُ تَهْطُلُ بِغَزَارَةٍ وَ الرَّجُلُ مُلْتَفًّا بِعَبَاءَةِ يَدْفَعُ بِهَا شِدَّةَ الْبَرْدِ وَ مَطَرَ السَّمَاءِ. فَحَرَّ فِي مَضِيقٍ إِلَى أَنْ بَلَغَ مِنْهُ مَكَانًا فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ إِلَى يَمِينِهِ فَرَأَى النَّمِرَ وَاقِفًا عَلَى الْحَائِطِ حَيْثُ كَانَ يُمْكِنُهُ مُصَاحَفَةُ الرَّجُلِ الَّذِي وَقَفَ شَعَرُ رَأْسِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَشْهَدِ الْمَخِيفِ. وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ حِيلَةٍ لِلنَّجَاةِ إِلاَ أَنْ يَمْتَحِنَ مَا طَالَمَا سَمِعَهُ عَنْ شَهَامَةِ النَّمِرِ. فَبَادَرَهُ بِالسَّلاَمِ مُظْهِرًا لَهُ الْإِحْتِرَامِ وَ الْإِعْتِبَارَ وَ الْخُضُوعَ. فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّمِرُ وَ قَدْ ذَبَّلَ عَيْنَيْهِ وَ حَنَّ إِلَيْهِ حَنِينَ الْمَحَبَّةِ وَ الْإِفْتِخَارِ وَ لَبِثَ فِي مَكَانِهِ لاَ يَتَحَرَّكُ إِلَى أَنْ مَرَّ الرَّجُلُ وَ هُوَ لاَ يُصْدِقُ بِالنَّجَاةِ إِلاَ بَعْدَ أَنْ صَارَ عَلَى بُعْدِ ثَلاَثَةِ أَمْيَالٍ. وَ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْحَيْوَانَاتِ الضَّارِيَةِ لاَ تَعْتَدِي إِذَا لَمْ يُعْتَدَ عَلَيْهَا.


اَلدَّرْسُ الْخَامِسُ وَ الْأَرْبَعُونَ وَ الْمِائَةُ
اَلْمَالُ فِي نَظَرِ الرِّجَالِ
مَشْرَبٌ مُسْتَعْذَبٌ نَصَبٌ كَرَبٌ هَمْيٌ بَطَلٌ رُتْبَةٌ

شُحٌّ أَذًى نَبْذٌ جَهْبَذٌ مَجْدٌ أَثِيلٌ مُنْقَلَبٌ


لِكُلِّ شَخْصٍ مَشْرَبُ فِي ذَوْقِهِ مُسْتَعْذَبُ

فَكَمْ غَبِيٍّ يَلْعَبُ وَ كَمْ ذَكِيٍّ يَتْعَبُ

وَ لاَ يَزَالُ يَدْأَبُ كَمْ مِنْ أُنَاسٍ فِي نَصَبْ

وَ فِي عَنَاءٍ وَ كَرَبْ يَرَوْنَ مَنْقُوشَ الذَّهَبْ

أَجَلَّ شَيْئٍ يُكْتَسَبْ فَتَعِبُوا وَ اتْعَبُوا

إِنْ شِئْتَ أَنْ تَغْنَى وَ مَا حَرَّكْتَ يَوْمًا قَدَمَا

فَالْمَالُ قُطُّ مَا هَمَى لِطَالِبٍ مِنَ السَّمَا

لِكُلِّ شَيْئٍ سَبَبُ إِنَّ الْغِنَى جَمِيلُ

يُحِبُّهُ الذَّلِيلُ وَ الْبَطَلُ النَّبِيلُ

وَ الْمَلِكُ الْجَلِيلُ وَ الْكُرَمَاءُ النُّجُبُ

إِنَّ وَرَاءَ الْمَال َقَاصِدُ الرِّجَالِ

فَكَمْ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا جَلَّ عَنْ مِثَالِ

بِهِ تُنَالُ الرُّتَبُ لاَ خَيْرَ فِي الْمَالِ إِذَا

صَاحَبَ شُحًّا أَوْ أَيَ أَوْ فِي الْفَسَادِ نُبِذَا

أَوْ لَمْ يُصَادِفْ جَهْبَذَا يُعْطِيهِ فِيمَا يَجِبُ

اَنْفِقْ جَمِيعَ مَالِكْ عَلَى ارْتِقَاءِ حَالِكْ

وَ لْمْ أُرِدْ بِذَلِكْ مَا سَاءَ مِنْ آمَالِكْ

فَمِثْلُهَا لاَ يُطْلَبُ أَنْفِقْهُ فِي التَّعَلُّمِ

وَ صِلْ بِهِ ذَا رَحِم وَ افْعَلْ كَفِعْلِ الْأُمَمِ

ذَاتِ الْعُلا وَ الْهِمَمِ مِمَّا بِهِ قَدْ غَلَبُوا

شَيِّدْ بِهِ الْمَجْدَ الْأَثِيلَ وَ اشْرِبِهِ الذِّكْرَ الْجَمِيلْ

وَ اجْعَلْهُ فِي الدُّنْيَا سَبِيلْ لِكُلِّ مَقْصُودٍ جَلِيلْ

كَيْ يُحْمَدَ الْمُنْقَلَبُ
اَلدَّرْسُ السَّادِسُ وَ الْأَرْبَعُونَ وَ الْمِائَةُ
اَلْبَرْقُ وَ الرَّعْدُ
كَهْرَبَاءٌ تَكَهْرُبٌ اِنْقِضَاضٌ تَصَادُمٌ اِصْطِكَاكٌ

بَاهِرٌ قَصْف الرَّعْدِ وَمِيضٌ صَاعِقَةٌ دَكٌّ قَضِيبٌ


إِنَّ الْغُيُومَ السَّابِحَةِ فِي الْجَوِّ مُخْتَلِفَةُ الْأَقْدَارِ وَ الْأَشْكَالِ وَ الْكَثَافَةِ. فَعِنْدَمَا تَكُونُ كَثِيفَةً وَ الْوَاحِدَةُ مِنْهَا مُنْفَصِلَةٌ عَنِ الْأُخْرَى تُرَى فِي الْجَوِّ مُتَلَبِّدَةٌ وَ تَسُوقُهَا الرِّيحُ فِي السَّمَاءِ فَتَكْسَبُ فَوْقَ كَهْرَبَائِيَّتِهَا كَهْرَبَائِيَّةً مِنَ الْجَوِّ. وَ عِنْدَمَا تَتَكَهْرَبُ الْغَيْمَتَانِ الْوَاحِدَةُ سَلْبًا وَ الْأُخْرَى إِيجَابًا وَ تُصْبِحُ هَذِهِ قَرِيبَةً مِنْ تِلْكَ تَجْذِبُ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَتَنْقَضَّانِ مُتَصَادِمَتَيْنِ تَصَادُمًا قَوِيًّا يُحْدِثُ عَلَى حَافَتَيْهِمَا أَوْ سَطْحَيْهِمَا بِالْإِصْطِكَاكِ نُورًا بِاهِرًا مُنْتَشِرًا يُقَالُ لَهُ الْبَرْقُ. وَ يُسْمَعُ لِهَذَا الْإِنْقِضَاضِ وَ الْإِصْطِدَامِ صَوْتٌ شَدِيدٌ هُوَ قَصْفُ الرَّعْدِ. وَ يَتَوَقَّفُ عِظَمُ وَ مِيضِ الْبَرْقِ وَ قَصْفِ الرَّعْدِ عَلَى كَبرِ الْغَيْمَتَيْنِ وَ كَيْفِيَّةِ انْطِبَاقِ الْوَاحِدَةِ مِنْهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَ عَلَى قُرْبِهَا مِنَ النَّاظِرِ وَ السَّامِعِ. فَإِذَا كَانَتِ الْغَيْمَتَانِ صَغِيرَتَيْنِ أَوْ رَقِيقَتَيْنِ كَانَ الصَّوْتُ ضَعِيفًا وَ الْفَرْقُ خَفِيفًا وَ بِالْعَكْسِ. وَ لَمَّا كَانَتْ سُرْعَةُ النُّورِ أَعْظَمُ مِنْ سُرْعَةِ الصَّوْتِ فِي الْهَوَاءِ ظَهَرَ وَمِيضُ الْبَرْقِ قَبْلَ أَنْ يُسْمَعَ صَوْتُ الرَّعْدِ. وَ إِذَا الْتَقَتْ كَهْرَبَائِيَّةُ غَيْمَةٍ بِكَهْرَبَائِيَّةِ الْأَرْضِ وَ كَانَ الْإِصْطِدَامُ شَدِيدًا جِدًّا حَدَثَتِ الصَّاعِقَةُ وَ هَذِهِ تَهْدِمُ الْبُيُوتَ وَ تَدُكُّ الْحُصُونَ. وَ الصَّاعِقَةُ تَتَّجِهُ إِلَى كُلِّ مَا هُوَ مُحَدَّدُ الرَّأْسِ وَ مُرْتَفِعٌ. وَ لِذَلِكَ وَضَعُوا الْقَضِيبَ الْمُسَمَّى بِقَضِيبِ الصَّاعِقَةِ الَّذِي يَجْذِبُ الصَّاعِقَةَ وَ يُفْرِغُ الْقُوَّةَ فِي الْأَرْضِ فَيَسْلَمُ الْبِنَاءُ.
اَلدَّرْسُ السَّابِعُ وَ الْأَرْبَعُونِ وَ الْمِائَةُ
اَلْأَسَدُ وَ الذِّئْبُ وَ الْغُرَابُ وَ ابْنُ آوَى
اِبْنُ آوَى خصب اثخان فضلة أَهَمَّهُ الشَّيْئُ تَمَرُّغٌ

تَأْمِينٌ حقن مَهْدُورٌ ذِمَّةٌ صَلاَحٌ أَشَارَ عَلَيْهِ أَجَابَ لَهُ


كَانَ أَسَدٌ يَمْكُثُ فِي غَابَةٍ وَ كَانَ لَهُ ثَلاَثَةُ أَصْحَابٍ ذِئْبٌ وَ غُرَابٌ وَ ابْنُ آوَى. فَاتَّفَقَ مُرُور قَافِلَةٍ مِنَ الْجِمَالِ فِي تِلْكَ الْغَابَةِ فَضَلَّ وَاحِدٌ مِنْهَا عَنِ الطَّرِيقِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْأَسَدِ. فَقَالَ لَهُ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ إِلَيْنَا؟ قَالَ مِنْ مَوْضِعِ كَذَا. قَالَ فَمَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ الْقِيَامُ بِمَا يَأْمُرُنِي بِهِ مَوْلاَيَ الْأَسَدُ. قَالَ تُقِيمُ عِنْدَنَا عَلَى السَّعَةِ وَ الْخِصْبِ فَلَبِثَ زَمَانًا إِلَى أَنْ مَضَى الْأَسَدُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ يَطْلُبُ صَيْدًا. فَلَقِيَ فِيلاً عَظِيمًا فَقَاتَلَهُ قِتَالاً شَدِيدًا وَ أَفْلَتَ مِنْهُ مُثْخَنًا بِالْجِرَاحِ فَلَمْ يَكَدِ الْأَسَدُ يَبْلُغُ عَرِينَهُ حَتَّى سَقَطَ لاَ يَسْتَطِيعُ حَرَاكًا وَ حُرِمَ طَلَبَ الصَّيْدِ. فَلَبِثَ الذِّئْبُ وَ ابْنُ آوَى وَ الْغُرَابُ لاَ يَجِدُونَ طَعَامًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَاتُونَ مِنْ فَضَلاَتِ الْأَسَدِ. فَأَجْهَدَهُمُ الْجُوعُ وَ الْهُزَالُ فَقَالَ لَهُمُ الْأَسَدُ لَقَد احْتَجْتُمْ إِلَى مَا تَأْكُلُونَ فَقَالُوا لَهُ إِنَّهُ يُهِمُّنَا أَمْرُكَ أَكْثَرَ مِمَّا تُهِمُّنَا أَنْفُسُنَا فَلَيْتَنَا نَجِدُ لَكَ مَا تَأْكُلُهُ. فَقَالَ الْأَسَدُ اسْعَوْا لَعَلَّكُمْ تُصِيبُونَ صَيْدًا فَخَرَجَ الْغُرَابُ وَ الذِّئْبُ وَ ابْنُ آوَى مِنْ عِنْدِ الْأَسَدِ وَ تَشَاوَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ. فَاتَّفَقَ رَأْيُهُمْ أَنْ يُشِيرُوا عَلَى الْأَسَدِ بِأَكْلِ الْجَمَلِ وَ انْطَلَقَ الْغُرَابُ لِيُكَلِّمَ الْأَسَدَ فِي هَذَا الشَّأْنِ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ الْأَسَدُ هَلْ أَصَبْتُمْ شَيْئًا؟ قَالَ الْغُرَابُ إِنَّمَا يُصِيبُ مَنْ يَسْعَى وَ يُبْصِرُ وَ نَحْنُ لاَ سَعْيَ لَنَا وَ لاَ بَصَرَ لِمَا بِنَا مِنَ الْجُوعِ. وَ لَكِنْ قَدِ اتَّفَقْنَا عَلَى رَأْيٍ وَ اجْتَمَعْنَا عَلَيْهِ فَإِنْ وَافَقْنَا الْأَسَدُ فَنَحْنُ لَهُ مُجِيبُونَ. فَسَأَلَ الْأَسَدُ مَا هُوَ؟ قَالَ الْغُرَابُ هَذَا الْجَمَلُ الْآكِلُ الْعُشْبِ الْمُتَمَرِّغُ بَيْنَنَا مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ لَنَا مِنْهُ. فَلَمَّا سَمِعَ الْأَسَدُ ذَلِكَ غَضِبَ وَ قَالَ مَا أَخْطَأَ رَأْيَكَ وَ مَا أَبْعَدَكَ مِنَ الْوَفَاءِ وَ الرَّحْمَةِ. وَ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ تَجْتَرِئَ عَلَيَّ بِهَذَا الْقَوْلِ وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنِّي قَدْ أَمَّنْتُ الْجَمَلَ. أَوَلَمْ يَبْلُغْكَ أَنَّهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ مُتَصَدِّقٌ بِصَدَقَةٍ هِيَ أَعْظَمُ أَجْرًا مِمَّنْ أَمَّنَ نَفْسًا خَائِفَةً وَ حَقَنَ دَمًا مَهْدُورًا. فَقَدْ أَمَّنْتُهُ وَ لَسْتَ بِالْغَادِرِ بِهِ. قَالَ الْغُرَابُ إِنِّي لاَعْرِفُ مَا يَقُولُ الْأَسَدُ. وَ لَكِنَّ النَّفْسَ الْوَاحِدَةَ يُفْتَدَى بِهَا أَهْلُ الْبَيْتِ وَ أَهْلُ الْبَيْتِ تُفْدَى بِهِمِ الْقَبِيلَةُ وَ الْقَبِيلَةُ يُفْتَدَى بِهَا الْمِصْرُ وَ أَهْلُ الْمِصْرِ فَدَى الْمَلِكِ. فَقَدْ نَزَلَتْ بِكَ الْحَاجَةُ وَ أَنَا أَجْمَلُ لَكَ مِنْ ذِمَّتِكَ مَخْرَجًا بِأَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِكَ وَ لاَ تَأْمُرَ بِهِ أَحَدًا وَ لَكِنَّنَا نَحْتَالُ عَلَيْهِ بِحِيلَةٍ لَنَا وَ لَكَ فِيهَا صَلاَحٌ فَسَكَتَ الْأَسَدُ عَنْ جَوَابِ الْغُرَابِ عَنْ هَذَا الْكَلاَمِ.

اَلدَّرْسُ الثَّامِنُ وَ الْأَرْبَعُونَ وَ الْمِائَةُ


اَلْأَسَدُ وَ الذِّئْبُ وَ ابْنُ آوَى
حَضرة عرض تَسْفِيهٌ سَفَّهَ رَأْيَهُ طِبْتُ بِذَلِكَ نَفْسًا

شِبَعٌ مُنْتِنٌ قَذِرٌ حَشَم طُوعًا تَكَرُّمٌ


فَلَمَّا عَرَفَ الْغُرَابُ مُوَافَقَةَ الْأَسَدِ أَتَى أَصْحَابَهُ فَقَالَ لَهُمْ قَدْ كَلَّمْتُ الْأَسَدَ فِي أَكْلِهِ الْجَمَلَ عَلَى أَنْ نَجْتَمِعَ نَحْنُ وَ الْجَمَلُ لَدَى حَضْرَتِهِ وَ نَذْكُرَ مَا أَصَابَهُ وَ نَتَوَجَّعَ لَهُ اهْتِمَامًا مِنَّا بِأَمْرِهِ وَ حِرْصًا عَلَى صَلاَحِهِ وَ يَعْرِضَ كُلّ وَاحِدٍ مِنَّا نَفْسَهُ عَلَيْهِ فَيَرُدَّهُ الْآخَرُ وَ يُسَفِّهَ رَأْيَهُ وَ يُبَيِّنَ الضَّرَرَ فِي أَكْلِهِ. فَإِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ سَلِمْنَا كُلُّنَا وَ رَضِيَ الْأَسَدُ عَنَّا. ثُمَّ إِنَّهُمْ كَلَّمُوا الْجَمَلَ فِي هَذَا الشَّأْنِ وَ تَقَدَّمُوا جَمِيعًا إِلَى الْأَسَدِ. فَقَالَ الْغُرَابُ قَدِ احْتَجَتْ أَيُّهَا الْمَلِكُ إِلَى مَا يُقَوِّيكَ. وَ نَحْنُ نَهَبُ أَنْفُسَنَا لَكَ فَإِنَّنَا بِكَ نَعِيشُ فَإِذَا هَلِكْتَ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَّا بَقَاءٌ بَعْدَكَ فَلْيَأْكُلْنِيَ الْأَسَدُ فَقَدْ طِبْتُ بِذَلِكَ نَفْسًا. فَأَجَابَهُ الذِّئْبُ وَ ابْنُ آوَى اسْكُتْ فَلاَ خَيْرَ فِي أَكْلِكَ وَ لَيْسَ فِيكَ شِبَعٌ. قَالَ ابْنُ آوَى وَ لَكِنْ أَنَا أُشْبِعُ الْأَسَدَ فَقَدْ رَضِيتُ بِذَلِكَ وَ طِبْتُ نَفْسًا. فَرَدَّ عَلَيْهِ الذِّئْبُ وَ الْغُرَابُ بِقَوْلِهِمَا اسْكُتْ إِنَّكَ مُنْتِنٌ قَذِرٌ. قَالَ الذِّئْبُ أَنَا لَسْتُ كَذَلِكَ فَلْيَأْكُلْنِيَ الْأَسَدُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنِّي وَ إِخْلاَصِ نِيَّةٍ. فَاعْتَرَضَهُ الْغُرابُ وَ ابْنُ آوَى وَ قَالاَ قَدْ قَالَتِ الْأَطِبَّاءُ مَنْ أَرَادَ قَتْلَ نَفْسِهِ فَلْيَأْكُلْ لَحْمَ ذِئْبِ فَظَنَّ الْجَمَلُ أَنَّهُ إِذَا عَرَضَ نَفْسَهُ عَلَى الْأَكْلِ الْتَمَسُوا لَهُ عُذْرًا كَمَا الْتَمَسَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَيَسْلَمُ وَ يَرْضَى عَنْهُ الْأَسَدُ. فَقَالَ أَنَا فِي لَكَ شِبَعٌ وَ لَحْمِي لَذِيذٌ وَ بَطْنِي نَظِيفٌ فَلْيَأْكُلْنِي وَ يُطْعِمْ أَصْحَابَهُ وَ حَشَمَهُ فَقَدْ سَمَحْتُ بِذَلِكَ طُوعًا. فَقَالَ الذِّئْبُ وَ الْغُرَابُ وَ ابْنُ آوَى لَقَدْ صَدَقَ الْجَمَلُ وَ تَكَرَّمَ. ثُمَّ إِنَّهُمْ وَثَبُوا عَلَيْهِ وَ مَزَّقُوهُ.
اَلدَّرْسُ التَّاسِعُ وَ الْأَرْبَعُونَ وَ الْمِائَةُ
اَلْعَنْدَلِيبُ
صَدْحٌ نَغْمَةٌ لَهْجَةٌ جُؤْجُؤٌ أَوْكَن إِيغَالٌ تَوَارٍ خَمِيلَةٌ

دَغَلٌ لَحْنٌ عَنْدَلَةٌ اِرْقَاصٌ إِيقَاعٌ طَوِيلُ الْبَاعِ طُنْبُورٌ حِكَايَةٌ ذُوِيٌّ نَشْأَةٌ طُحْلُبٌ حِضَانَةٌ نَقْفٌ لُكْنَةٌ فِرْصَادٌ تِينٌ عُلَّيق

قَمَعَةٌ نُحُول

اَلْعَنْدَلِيبُ وَ يُعْرَفُ بِالْبُلْبُلِ أَعْذَبُ الصَّوَادِحِ وَ أَطْرَبُهَا نَغْمَةً وَ أَفْصَحُهَا لَهْجَةً صَغِيرُ الْجُثَّةِ لَهُ رَأْسٌ وَ ذَنَبٌ أَسْوَدَانِ. وَ أَمَّا ظَهْرُهُ وَ وَجْهُهُ وَ بَطْنُهُ فَدُكْنٌ إِلَى الزُّرْقَةِ. وَ هُوَ مِنَ الطُّيُورِ الْقَوَاطِعِ يَخْرُجُ إِلَى الْبِلاَدِ الْمُعْتَدِلَةِ فِي أَوَاسِطِ الرَّبِيعِ. وَ قَدْ يُوغلُ بَعْضُهُ فِي الشِّمَالِ حَتَّى يَبْلُغَ رُوسِيَّا وَ أَلْمَانِيا وَ يُفَرِّخُ هُنَاكَ. ثُمَّ يَعُودُ فِي أَوَاخِرِ الصَّيْفِ إِلَى بِلاَدِ الْمَغْرِبِ وَ مِصْرَ وَ غَيْرِهِمَا مِنَ الْبُلْدَانِ الْحَارَّةِ. وَ أَحَبُّ الْمَوَاقِعِ إِلَيْهِ مَا يَتَوَارَى فِيهِ عَنِ الْأَبْصَارِ مِنَ الْخَمَائِلِ وَ الْأَدْغَالِ. حَيْثُ يَقُومُ عَلَى أَغْصَانِهَا يَصْدَحُ بِالْحَانِهِ الْمُطْرِبَةِ وَ عَنْدَلَتِهِ الْعَذْبَةِ. فَيَسْتَوْقِفُ الْأَقْدَامَ عَجَبًا وَ يُرْقِصُ الْقُلُوبَ طَرَبًا وَ هُوَ صَدَّاحٌ بَارِعٌ. يَمْتَازُ عَنْ سَائِرِ الصَّوَادِحِ بِحُسْنِ الْإِيقَاعِ وَ طُولِ الْبَاعِ فِي التَّفَنُّنِ بِأَسَالِيبِ الْأَلْحَانِ. حَتَّى ضُرِبَ الْمَثَلُ فِي فَصَاحَةِ اللِّسَانِ. وَ صِيَاحُهُ فِي اللَّيْلِ أَكْثَرُ وَ أَجْوَدُ مِنْهُ فِي النَّهَارِ. وَ قَدْ يَتَغَنَّى فِيهِ دَفْعَةً فَدَفْعَةً وَ نَغْمَةً فَنَغْمَةً إِلَى أَنْ يَخْلَعَ اللَّيْلُ ثِيَابَهُ وَ يَحْدُرَ الصُّبْحُ نِقَابَهُ.

وَ يَتَّخِذُ الْعَنْدَلِيبُ عُشَّهُ مِنَ الْأَوْرَاقِ الْيَابِسَةِ وَ الطَّخْلب النَّاعِمِ. يَبْنِيهِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَ يُوارِيهِ بَيْنَ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ حَتَّى لاَ يُهْتَدَى إِلَيْهِ. وَ هُوَ لاَ يُدْرِكِهِ أَيَّامَ التَّعْشِيشِ وَ الْإِفْرَاحِ فِي الْعَنْدَلَةِ مَلَلٌ. وَ لاَ يُشْغِلُهُ عَنْهَا شَاغِلٌ حَتَّى أَيَّامَ الْخِضَانَةِ. وَ لاَ يَزَالُ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ يَنْقَفَ الْبَيْضَ فَيَلْهُوَ عَنِ الصُّدَاحِ بِمُعَاوَنَةِ أُنْثَاهُ عَلَى زَقِّ الْفِرَاخِ. وَ يَخْشُنُ صَوْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَ تَأْخُذُهُ اللُّكْنَةُ. فَإِذَا صَاحَ يَكُونُ صِيَاحُهُ مُتَقَطِّعًا أَشْبَهَ بِنَعِيقِ الْغُرَابِ. وَ أَمَّا طَعَامُهُ فَدُودُ الْأَشْجَارِ وَ الثِّمَارُ الْهَشَّةُ كَالْفِرْصَادِ وَ التِّينِ وَ ثَمَرِ الْعُلَّيْقِ. وَ مَا يَجِدُمُ مِنَ الْقَمَعِ وَ الذُّبَابِ وَ نَحْوِهِمَا. ثُمَّ إِذَا جَاءَ الْخَرِيفُ وَ بَرَدَ الْهَوَاءُ يَتْرُكُ الْبِلاَدُ الْمُعْتَدِلَةُ وَ يَقْطَعُ بِفِرَاخِهِ إِلَى مَوَاقِعِهِ فِي الْبُلْدَانِ الْحَارَّةِ. وَ قَلَّمَا يَصْبِرُ الْعَنْدَلِيبُ عَلَى الْأَسْرِ. فَإِذَا حُبِسَ فِي قَفْصٍ يَقِلُّ صِيَاحُهُ وَ يَنْحَلُ جِسْمُهُ. وَ إِذَا طَالَ عَلَيْهِ الزَّمَانُ مَاتَ كَمَدًا.
اَلدَّرْسُ الْخَمْسُونَ وَ الْمِائَةُ
اَلشَّيْخُ الْمُتَطَبِّبُ
فَخْصٌ طَبِيبٌ حَاذِقٌ اِسْتِيفَاءٌ صَوْبٌ

عَرَض أَنَفَة ضَجَر رَيْثَمَا كَيْتَ خَيْبَة


قِيلَ إِنَّ الْخَلِيفَةَ الْمَأْمُونَ كَانَ يَأْمُرُ بِفَحْصِ الْأَطِبَّاءِ كُلَّ سَنَةٍ عَلَى يَدِ طَبِيبٍ حَاذِقٍ. فَمَنْ رَآهُ مُسْتَوْفِيًا حَقَّ الصِّنَاعَةِ يَأْذَنُ لَهُ بِالْمُعَالَجَةِ. وَ مَنْ رَآهُ قَاصِرًا يَمْنَعُهُ إِلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ عِلْمهُ. فَجَلَسَ جَبْرِيلُ بْنُ نجتيوشَ يَوْمًا لِلْفَحْصِ وَ أَمَرَ بِالْأَطِبَّاءِ فَتَوَارَدُوا إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ. وَ كَانَ يَمْتَحِنُهُمْ فِي الْأَمْرَاضِ وَ أَعْرَاضِهَا وَ الْعِلاَجَاتِ النَّافِعَةِ وَ مَفَاعِيلِهَا وَ الْأَجْسَامِ وَ تَرْكِيبِ أَعْضَائِهَا.

فَتَقَدَّمَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ شَيْخٌ يَتَوَكَّأُ عَصَاهُ فَسَلَّمَ وَ جَلَسَ لِلْإِمْتِحَانِ. وَ كَانَ جَبْرِيلُ لاَ يَعْرِفُهُ. فَقَالَ لَهُ يَا عَمُّ أَنْتَ طَبِيبٌ؟ قَالَ نَعَمْ إِنْ شَاءَ اللهُ. قَالَ وَ عَلَى مَنْ دَرَسْتَ الطِّبَّ؟ فَأَنِفَ الشَّيْخُ مِنْ سُؤَالِهِ وَ قَالَ يَا جَبْرِيلُ أَلاَ تَسْتَحْيِي مِنْ شَيْبَتِي أَنْ تَسْأَلَنِي عَلَى مَنْ دَرَسْتَ؟ قُلْ لِي كَمْ تِلْمِيذًا عَلَّمْتَ؟ قَالَ جَبْرِيلُ نَعَمْ. وَ مَاذَا دَرَسْتَ مِنَ الْكُتُبِ؟ فَأَخَذَ الشَّيْخَ الضَّجَرُ وَ قَالَ تَسْأَلُنِي أَيْضًا عَنِ الْكُتُبِ. قَالَ نَعَمْ إِنِّي أَسَأْتُ الْأَدَبَ فَأَرْجُو أَنْ تَنْتَظِرَنِي رَيْثَمَا أَفْرَغُ لَعَلِّي أَسْتَفِيدُ مِنْكَ بَعْضَ الْمَسَائِلِ. فَاعْتَزَلَ الشَّيْخُ نَاحِيَةً. وَ لَمَّا انْقَضَى الْمَجْلِسُ دَعَاهُ وَ قَالَ لَهُ إِنِّي سَأَلْتُكَ كَذَا وَ أَجَبْتَنِي بِكَيْتِ وَ كَيْتَ. فَأَطْلُبُ إِلَيْكَ أَنْ تُفِيدَنِي الْمَسْئَلَةَ الْفُلاَنِيَّةَ وَ تَشْرَحَ لِي الْبَحْثَ الْفُلاَنِيَّ. قَالَ الشَّيْخُ لَيْسَ عِنْدِي فِي الْحَقِيقَةِ سُؤَالٌ وَ لاَ جَوَابٌ وَ إِنَّمَا أَنَا شَيْخٌ عَاجِزٌ عَنْ تَحْصِيلِ رِزْقِي. وَ أَرَدْتُ أَنْ أَجْعَلَ هَذِهِ الصِّنَاعَةَ وَسِيلَةً لِذَلِكَ. فَقَالَ جَبْرِيلُ يَا عَمُّ أَيَجُوزُ أَنْ تَعِيشَ أَنْتَ وَ يَمُوتَ النَّاسُ. فَإِنْ كُنْتَ تَسْتَوْفِيَ حَقَّ الصِّنَاعَةِ وَ إِلاَ فَأطْلُبْ لَكَ وَجْهًا آخَرَ مِنْ وُجُوهِ الْمَعَاشِ. فَقَالَ لاَ أَقْدِرُ عَلَى كِلاَ الْأَمْرَيْنِ. قَالَ أَنَا أَقْدِرُ عَلَى الْإِذْنِ بِالْمُعَالَجَةِ. فَأَخَذَ الشَّيْخُ يَتَوَسَّلُ إِلَيْهِ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ. وَ لَمَّا كَانَتِ السَّنَةُ الثَّالِثَةُ جَلَسَ جَبْرِيلُ عَلَى عَادَتِهِ لِلْإِمْتِحَانِ. فَحَضَرَتْ إِلَيْهِ الْأَطِبَّاءُ. وَ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ فَتًى فَقَالَ جَبْرِيلُ عَلَى مَنْ دَرَسْتَ الطِّبَّ يَا فَتًى؟ فَقَالَ عَلَى أَبِي. فَقَالَ وَ مَنْ هُوَ أَبُوكَ. قَالَ فُلاَنٌ يَعْنِي الشَّيْخُ الْمُقَدَّمُ ذِكْرُهُ. فَقَالَ خَيْبَةُ اللهِ عَلَيْكُمَا مَاذَا كَانَ يَعْرِفُ أَبُوكَ حَتَّى يُعَلِّمُكَ إِيَّاهُ وَ أَمَرَ بِطَرْدِهِ.


اَلدَّرْسُ الْحَادِي وَ الْخَمْسُونَ وَ الْمِائَةُ
اَلْأَسَدُ وَ الذِّئْبُ وَ الثَّعْلَبُ
اِجْتِرَاءٌ اِرْتِدَاعٌ حِذْرٌ خُذْ حِذْرَكَ تَرَقُّبٌ خِلْوَةٌ مَعاذَ اللهِ

عَافَاكَ اللهُ حِذْقٌ جَوْدَةٌ مِرَارَةٌ سَاقٌ قَدْحٌ عِرْضٌ ثُعْبَانٌ


يُحْكَى أَنَّ بَعْضَ الْأُسُودِ مَرِضَ فَعَادَهُ جَمِيعُ الْوُحُوشِ إِلاَ الثَّعْلَبَ. فَقَالَ الذِّئْبُ لِلْأَسَدِ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَمَا تَنْظُرُ إِلَى فِعْلِ الثَّعْلَبِ وَ قِلَّةِ اعْتِنَائِهِ بِخِدْمَتِكَ؟ قَدْ عَادَكَ جَمِيعُ الْوُحُوشِ فِي مَرَضِكَ هَذَا إِلاَ الثَّعْلَبَ. وَ لَئِنْ لَمْ تُعَاقِبْهُ عِقَابًا يَرْتَدِعُ بِهِ أَمْثَالُهُ لَيَجْتَرِأَنَّ عَلَيْكَ بَاقِي الْوُحُوشِ وَ يَقْتَدِينَ بِهِ سُوءِ أَدَبِهِ. فَلَمَّا سَمِعَ الْأَسَدُ كَلاَمَ الذِّئْبِ أَثَّرَ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ وَ قَالَ إِذَا حَضَرَ الثَّعْلَبُ عِنْدِي فَذَكِّرْنِي بِمَا وَقَعَ مِنْهُ. وَ كَانَ الْأَرْنَبُ حَاضِرًا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَمَضَى إِلَى الثَّعْلَبِ وَ قَالَ لَهُ يَا أَبَا الْحُصَيْنِ خُذْ حِذْرَكَ مِنَ الْأَسَدِ. فَقَالَ وَ لِمَ؟ فَأَخْبَرَهُ بِمَا وَقَعَ مِنَ الذِّئْبِ فِي حَقِّهِ عِنْدَ الْأَسَدِ وَ مَا كَانَ مِنْ جَوَابِ الْأَسَدِ. فَشَكَرَهُ الثَّعْلَبُ عَلَى ذَلِكَ. ثُمَّ إِنَّ الثَّعْلَبَ مَضَى وَ صَادَ كُرْكِيًّا وَ تَرَقَّبَ خِلْوَةَ الْأَسَدِ وَ دَخَلَ وَ سَلَّمَ عَلَيْهِ. فَقَالَ لَهُ الْأَسَدُ وَيْلَكَ أَمْرَضُ أَنَا يعودني كُلُّ الْوُحُوشِ إِلاَ أَنْتَ. أَهَذَا مِنْكَ احْتِقَارٌ لِقَدْرِي؟ فَقَالَ لَهُ الثَّعْلَبُ مَعَاذ اللهِ أَنَا أَقَلُّ عَبِيدِكَ وَ لَكِنْ لَمَّا بَلَغَنِي مَرَضُ الْمَلِكِ عَافَاهُ اللهُ ذَهَبْتُ أَطْلُبُ لَهُ طَبِيبًا حَاذِقًا كُنَّا مَعَاشِر الثَّعَالِبِ نَصِفُهُ بِجَوْدَةِ الرَّأْيِ فَقَصَدْتُ أَنْ أُحْضِرَهُ بَيْنَ يَدَيْكَ. فَلَمَّا وَصَلْتُ إِلَيْهِ وَجَدْتُهُ مَشْغُولاً بِمَوْتِ وَلَدٍ لَهُ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْمَجِيئُ إِلَى خِدْمَتِكَ. غَيْرَ أَنَّنِي عَرَّفْتُهُ بِمَرَضِكَ فَقَالَ يُطْعَمُ لَحْمُ كُرْكِيٍّ وَ تُؤْخَذُ مِرَارَتُهُ فَتُخْلَطُ بِدَمِ سَاقِ ذِئْبٍ وَ يُدْهَنُ بِهَا وَ يُعَلَّقُ عَلَيْهِ رِجْلَ ذِئْبٍ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ الشِّفَاءَ. وَ قَدْ أَحْضَرْتُ لَكَ كُرْكِيًّا. فَلَمَّا سَمِعَ الْأَسَدُ مَقَالَتَهُ لَمْ يَشُكَّ فِي صِدْقِهِ. ثُمَّ إِنَّهُ أَكَلَ الْكُرْكِيَّ فَلَذَّ لَهُ وَ وَجَدَ خِفَّةً فِي جِسْمِهِ وَ أَخَّرَ مَرَارَتَهُ حَتَّى ذَهَبَ الثَّعْلَبُ. وَ لَمَّا جَاءَ الذِّئْبُ إِلَى الْأَسَدِ قَبَضَ عَلَى رِجْلِهِ فَقَطَعَهَا وَ أَخَذَ مِنْ دَمِهَا فَخَلَّطَ بِهِ الْمِرَارَةَ وَ أَدْهَنَ بِذَلِكَ. وَ مَضَى الذِّئْبُ يَتَوَجَّعُ وَ هُوَ لاَ يَصْدُقُ بِنَجَاةِ نَفْسِهِ مِنَ الْأَسَدِ. فَلَمَّا بَعُدَ عَنْهُ أَلْقَى بِنَفْسِهِ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ. فَمَرَّ بِهِ الثَّعْلَبُ وَ هُوَ مُلْقًى فَنَادَاهُ يَا صَاحِبَ الْخُفِّ الْأَحْمَرِ إِذَا حَضَرْتَ عِنْدَ الْمُلُوكِ فَاكْفُفْ لِسَانَكَ عَنِ الْقَدْحِ فِي أَعْرَاضِ أَصْحَابِكَ فَإِنَّ لِسَانَكَ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَكَ فِي هَذَا الْحَالِ.

اِحْفَظْ لِسَانَكَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ لاَ يَلْدَغَنَّكَ فَإِنَّهُ ثُعْبَانُ

تُعْرَفُ حَمَاقَةُ الرَّجُلِ بِاثْنَتَيْنِ كَلاَمِهِ فِيمَا لاَ يَعِينُهِ وَ جَوَابِهِ عَمَّا لاَ يُسْأَلُ عَنْهُ.
اَلدَّرْسُ الثَّانِي وَ الْخَمْسُونَ وَ الْمِائَةُ
اَلنَّظَافَةُ
ملهَى وَسِيلَةٌ عِلَّةٌ نَشَاطٌ بهَاءٌ تَرَشُّحٌ عَرَقٌ قَيْظٌ تَعَفُّنٌ اِمْتِزَاجٌ دَرَنٌ تَلَبُّدٌ اِسْتِدَادٌ نُفُوذٌ فَضْلَةٌ اِفْرَازٌ عُرْضَةٌ عَدْوَى تَعَهُّدٌ وَخِيمٌ إِخْلاَلٌ بِنْيَةٌ أَمْسَى قَذًى اِشْمِئْزَازٌ تَعَطُّرٌ طِيبٌ رَمَصٌ أُفٌّ تُفٌّ هِبْرِيَةٌ تَسْرِيحٌ تَقْلِيمٌ شِعَارٌ آنِفًا
الصحة من أجل النعم التي يتمتع بها الإنسان في هذه الحياة. و بدونها لا يقدر على القيام بواجباته و لا على الدأب في أعماله و لا يلتذ بشيئ من أطايب الحياة و ملاهيها. و النظافة من أقوى الأسباب في حفظ الصحة و اكبر الوسائل في دفع العلل. و العناية بها تجب على الصغار كما على الكبار. و هي تزيد البدن نشاطا و بهاء. و ذلك لأن الجلد الذي يغشى بدن الإنسان له مسامّ عديدة صغيرة جدا تكون مئات منها في قدر الظفر مساحة. و من هذه المسامّ يترشح الجسد عرقا كل يوم صيفا و شتاء. و إنما يشتد ترشحه على المتعرض للحر أيام القيظ و على العامل أو الصانع إذا عمل عملا شاقا. و إذا بدا العرق على ظاهر الجلد يمتزج بما يعلق بالبدن من الغبار الدقيق فتعلو الأدران البدن و تتلبد غشاء عليه فيستد على العرق مسامّ الجلد التي هي منافذ اندفاعه و ترشحه. و العرق فضلة مائية للدم لابد من افرازها و دفعها إلى الخارج كسائر الفضلات البدنية. و إذا حُبست أحزّت بالبدن و تولدت عنها الأمراض. و يقول أهل البحث و التحقيق من الأطباء إن الذين يسكنون البيوت القذرة و يتنفسون الهواء الفاسد و يلبسون الملابس الوسخة يكونون عرضة للحميات و الأمراض العفنية. فبهم تتفشى في بادئ أمرها و منهم تنتشر إلى من سواهم بالعدوى. و أما الذين يراعون قواعد الصحة و يتعهدون أبدانهم و ملابسهم و مساكنهم بأسباب النظافة فقلما تصيبهم الأمراض. و إذا اتفق أن أصابت واحدا منهم فقلما تقيم عليه إذ لا تجد مقرا. و فضلا عن أن الوسخ وخيم العاقبة مخل بنظام البنية مفسد للصحة على ما تقدم بيانه. فإن الشيئ إذا وسخ يمسي قذى في العين تشمئزّ منه النفس. فالنظافة لازمة أدبيا أيضا. و هي من الواجبات المقررة بأجماع الرأي عليها عند الأمم المتمدنة. و لست أريد بالنظافة تحسين الخلق و لا تزين بالحلى و لا التعطر بالأطياب بل أريد تطهير البدن مما يتولد فيه من الفضلات من نحو رمص العين و أف الأذن و تف الأظفار. و هبرية الرأس و ما يعلق بالبدن من الأواسخ في أثناء الأعمال و تناول الطعام. و أول ما يجب على الوالدة أن تهتم بنظافة أولادها و تعودهم على تسريح الشعر و غسل الوجه و الأيدي كل صباح و تقليم الأظفار و تطهير جملة البدن مرة في الأسبوع. و الماء في العالم غزير من كرم الباري تعالى و أيدي الجميع مبسوطة عليه. و ليس من ينازع صاحبه في احرازه و الإنتفاع به. فإهمال الاغتسال إهمال لقضاء الواجب لغير عذر وإغفال لمقتضيات الصحة تقصير في أسباب الراحة و الهناء. و أما اللباس فلا بد من العناية بتنظيفه و لا سيما ما كان منه شعارا يلي البدن كالقميص و نحوه. فيقتضي تغييره مرة في الأسبوع على الأقل و إن لم يظهر عليه الوسخ. و ذلك لما يعلق به من الفضول التي يدفعها الجسد على ما قدمنا بيانه آنفا. و إذا لُبس مدة فوق الأسبوع تتولد منه رائحة كريهة منتنة تشتد انتشارا من الإنسان إذا عرق.

اَلدَّرْسُ الثَّالِثُ وَ الْخَمْسُونَ وَ الْمِائَةُ


فَوَائِدُ الْعِلْمِ
مِعْوَانٌ كَارِثَاتُ الدَّهْرِ حُلَّةٌ حَوْكٌ سُؤْدَدٌ جَنَانٌ مَنْهَجٌ مَبْدَأ

اَلْوَرَى وَسَنٌ عِلاَجٌ مَتْنٌ فَلاَةٌ لَسَنٌ اِلْتِئَامٌ سَنَنٌ صَرْحٌ زَهْوٌ

سَكَنٌ قَاطِبَةً دِمْنَةٌ اِقْتِبَاسٌ قُنَّةٌ لَوْذٌ سَدِيدٌ
اَلْعِلْمُ لِلْمَرْءِ مِعْوَانٌ عَلَى الزَّمَنِ يَقِيهِ مِنْ كَارِثَاتِ الدَّهْرِ وَ الْمَحِنِ

وَ حُلَّةٌ حَوْكُهَا مِنْ سُؤْدَدٍ وَ عُلًى وَحِلْيَةٌ مَا لَهَا وَاللهِ مِنْ ثَمَنِ

بِهِ يُصَانُ جَنَانُ الْمَرْءِ مِنْ سَفَهٍ يَا طَالَمَا سَاقَهُ لِلْحَتْفِ وَ الْكَفَنِ

وَ عَنْهُ يَأْخُذُ كُلُّ مَا يُلاَئِمُهُ مِنْ مَنْهَجٍ عَادِلٍ أَوْ مَبْدَأٍ حَسَنِ

وَ مِنْهُ يَدْرِي الْوَرَى كُنْهَ الدِّيَانَة

وَ الشَّرْعِ الْقَوِيمِ وَ مَعْنَى الْفَرْضِ وَ السُّنَنِ

حَقٌّ لِطَالِبِهِ بَذْلُ النَّفَائِسِ فِي سَبِيلِهِ وَ اطِّرَاحِ اللَّهْوِ وَ الْوَسَنِ

لَوْلاَهُ لاَ صِحَّةٌ لِلْجِسْمِ مِنْ عِلَل وَ لاَ عِلاَجَ يُزِيلُ السُّقْمَ مِنْ بَدَنِ

كَلاَ وَ لاَ سَفَرٌ فَوْقَ الْبِحَارِ عَلَى مَتْنِ الْبُخَارِ بِأَنْوَاعٍ مِنَ السُّفُنِ

لَوْلاَهُ لاَ يَفْضُلُ الْإِنْسَانُ مَعْرِفَةً وَحْشَ الْفَلا بِالَّذِي أُوتِيهِ مِنْ لَسَنِ

لَوْلاَهُ لَيْسَ انْتِظَامٌ فِي الْبِلاَدِ وَ لاَ بَيْنَ الْعِبَادِ الْتِئَامٌ وَاضِحُ السَّنَنِ

لَوْلاَهُ مَا مُدُنٌ قَامَتْ مُشَيَّدَةً وَ لاَ صُرُوحٌ زَهَتْ بِالْأَهْلِ وَ السَّكَنِ

لَوْلاَهُ كَانَ بَنُو الْإِنْسَانِ قَاطِبَةً مِثْلَ الْبَهَائِمِ تَرْعَى حُضْرَةَ الدِّمَنِ

أَقْبِلْ عَلَيْهِ وَ كُنْ مَا عِشْتَ مُقْتَبِسًا أَنْوَارَهُ تَعْلُ مَجْدًا سَامِيَ الْقُنَنِ

وَ لُذْ بِهِ وَاسْعَ فِي تَأْيِيدِ دَوْلَتِهِ وَ كُنْ نَصِيرًا لَهُ فِي السِّرِّ وَ الْعَلَنِ

وَ هُوَ الرَّشِيدُ إِلَى الرَّأْيِ السَّدِيدِ إِلَى

الْعَيْشِ الرَّغِيدِ إِلَى الْإِصْلاَحِ فِي الْوَطَنِ

فَكُلُّ مَنْ عَاشَ لَمْ يَمْدُدْ إِلَيْهِ يَدًا كَأَنَّهُ فِي عِدَادِ النَّاسِ لَمْ يَكُنِ




Достарыңызбен бөлісу:
1   ...   8   9   10   11   12   13   14   15   ...   18




©dereksiz.org 2024
әкімшілігінің қараңыз

    Басты бет