Сљнгатулла Бикбулат مبدأ القراءة Мђбдђ-њл-кыйра-ђт



бет11/18
Дата11.07.2016
өлшемі1.77 Mb.
#191650
1   ...   7   8   9   10   11   12   13   14   ...   18

مُصَاحَبَةُ الْأَشْرَارِ

نُمُوٌّ حَبٌّ مُوَاظَبَةٌ إِتْلاَفٌ سُنْبُلَةٌ إِيقَاعٌ شَرٌّ


يُحْكَى أَنَّ فَلاَّحًا زَرَعَ فِي أَرْضِهِ قَمْحًا. فَنَبَتَ الزَّرْعُ وَ نَمَا حَتَّى ظَهَرَ فِيهِ الْحَبُّ. وَ كَانَتِ الْغِرْبَانُ مُوَاظِبَةً عَلَى الْأَكْلِ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى أَتْلَفَتْ سَنَابِلَ الْقَمْحِ. فَلَمَّا رَأَى الْفَلاَّحُ ذَلِكَ عَزَمَ عَلَى قَتْلِهَا. وَ كَانَتْ عِنْدَهُ بَبَّغَاءُ تُخَالِطُ هَذِهِ الطُّيُورَ. فَخَرَجَتْ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى حَسْبِ عَادَتِهَا لِمُرَافَقَةِ هَؤُلاَءِ الْغِرْبَانِ بِدُونِ أَنْ يَعْلَمَ صَاحِبُهَا بِذَلِكَ. وَ قَدِ اتَّفَقَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي اسْتَعَدَّ فِيهِ الْفَلاَّحُ لِقَتْلِ الْغِرْبَانِ لِيَسْلَمَ مِنْ شَرِّهَا. فَأَخَذَ بُنْدُقِيَّتَهُ وَ رَمَى الْغِرْبَانَ. فَسَقَطَ مِنْهَا ثَلاَثَةٌ عَلَى الْأَرْضِ مَيْتَةً وَ انْكَسَرَتْ رِجْلُ الْبَبْغَاءِ. فَلَمَّا رَأَى الْفَلاَّحُ الْبَبَّغَاءَ مَطْرُوحَةً عَلَى الْأَرْضِ مَكْسُورَةَ الرِّجْلِ اسْتَغْرَبَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَعْلَمُ بِوُجُودِهَا مَعَ الْغِرْبَانِ. ثُمَّ قَالَ لَهَا إِنَّ ذَلِكَ مَا حَصَلَ لَكَ إِلاَّ مِنْ مُصَاحَبَةِ الْأَشْرَارِ. وَ بَعْدَ ذَلِكَ حَمَلَهَا إِلَى الْبَيْتِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ. فَلَمَّا رَأَى أَوْلاَدُ الْفَلاَّحِ الْبَبْغَاءَ أَسِفُوا عَلَيْهَا كَثِيرًا وَ سَأَلُوا أَبَاهُمْ عَنْ سَبَبِ مَا حَصَلَ لَهَا. فَأَجَابَ أَبُوهُمْ أَنَّ مُصَاحَبَةَ الْغِرْبَانِ الْأَشْرَارِ هِيَ الَّتِي أَوْقَعَتْهَا فِي هَذِهِ الْمُصِيبَةِ. ثُمَّ إِنَّ الْبَبْغَاءَ شُفِيَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ مَرَضِهَا وَ صَارَتْ تَقُولُ دَائِمًا لِأَوْلاَدِ الفَلاَحِ: "لاَ تُصَاحِبُوا الْأَشْرَارَ. لاَ تُصَاحِبُوا الْأَشْرَارَ".
اَلدَّرْسُ الْحَادِي وَ الْمِائَةُ

مَنْ عَلَّمَ؟

تَشْيِيدٌ جَنَى كَلَلٌ تِلاَوَةٌ لَحْنٌ حَزَنٌ وَكْرٌ


مَنْ عَلَّمَ الْعُصْفُورَ أَنْ يَبْنِيَ عُشًّا فِي الشَّجَرْ

كَقَصْرِ مَلْكٍ شَادَهُ وَ لَمْ يَصْنَعْ فِيهِ حَجَرْ

مَنْ عَلَّمَ النَّحْلَةَ أَنْ تَجْنِيَ مِنَ الزَّهْرِ الْعَسَلْ

قُوتًا لِأَيَّامِ الشِّتَاءِ تَجْمَعُهُ بِلاَ كَلَلْ

مَنْ عَلَّمَ الْبُلْبُلَ أَنْ يَتْلُو أَطَايِبَ الْغِنَا

يُطْرِبُ كُلَّ خَاطِرٍ بِكُلِّ لَحْنٍ حَسُنَا

أَمْ مَنْ هَدَى النَّمْلَةَ أَنْ تَجْمَعَ فِي الصَّيْفِ الطَّعَامْ

تَخْزِنُهُ فِي وَكْرِهَا لِحيِنِهِ عَلَى انْتظَامْ

اَللهُ قَدْ عَلَّمَهَا ذَاكَ وَ أَعْطَاها الْهُدَى

وَ هُوَ لِكُلٍّ مُرْشِدٌ لِكُلِّ خَيْرٍ أَبَدًا

كَذَاكَ يُعْطِي خَيْرَهُ لِكُلِّ مَنْ مِنْهُ يَسَلْ

فَاطْلُبْ إِلَيْهِ آمِلاً مَا خَابَ مَنْ لَهُ أَمَلَ


اَلدَّرْسُ الثَّانِي وَ الْمِائَةُ
اَلْعَنْزَةُ وَ الدُّبُّ
ثُقْبٌ صُبَغٌ جَدْيٌ كَرْبٌ خِدَاعٌ
خَرَجَتْ ذَاتَ يَوْمٍ عَنْزَةٌ لِتُحْضِرَ لِأَوْلاَدِهَا الصِّغَارِ شَيْئًا يَسُدُّ جُوعَهُمْ. وَ لِخَوْفِهَا عَلَيْهِمْ مِنَ الدُّبِّ أَوْصَتْهُمْ أَنْ لاَ يَفْتَحُوا الْبَابَ إِلاَّ عِنْدَ عَوْدَتِهَا. فَبَعْدَ خُرُوجِهَا بِقَلِيلٍ أَتَى الدُّبُّ وَ دَقَّ الْبَابُ. فَقَالُوا: "مَنْ أَنْتَ؟" قَالَ: "أَنَا عَمُّكُمُ الْخَرُوفُ أَتَيْتُ لِزِيَارَتِكُمْ." فَقَالُوا: "لاَ، نَحْنُ لاَ نَفْتَحُ إِلاَّ لِأُمِّنَا." فَذَهَبَ الدُّبُّ ثُمَّ رَجَعَ وَ دَقَّ الْبَابَ. فَسَأَلُوهُ:"مَنْ أَنْتَ؟" قَالَ الدُّب:ُّ "أَنَا أُمُّكُمْ." فَاقْتَرَبُوا جَمِيعًا مِنَ الْبَابِ وَ نَظَرُوا مِنْ ثُقُوبِهِ فَأَبْصَرُوا أَرْجُلَهُ السَّوْدَاءَ فَقَالُوا: "لاَ نَفْتَحُ، لِأَنَّ أَرْجُلَكَ سَوْدَاءُ وَ أَرْجُلُ أُمِّنَا بَيْضَاءُ." فَلَمَّا سَمِعَ الدُّبُّ ذَلِكَ ذَهَبَ حَالاً وَ صَبَعَ أَرْجُلَهُ بِلَوْنٍ أَبْيَضَ. ثُمَّ عَادَ إِلَى الْبَابِ وَ دَقَّهُ وَ قَالَ: "أَنَا أُمُّكُمْ." فَلَمَّا أَبْصَرُوا بَيَاضَ أَرْجُلِهِ تَحَقَّقُوا أَنَّ أُمَّهُمْ بِالْبَابِ وَ فَتَحُوا. فَدَخَلَ الدُّبُّ مُسْرِعًا وَ افْتَرَسَهُمْ إِلاَّ وَاحِدًا كَانَ اخْتَفَى. فَلَمَّا عَادَتْ أُمُّهُمْ لَمْ تَجِدْ إِلاَّ الْجَدْيَ الْبَاقِيَ مِنْ أَوْلاَدِهَا. وَ لَمَّا سَأَلَتْ عَنِ السَّبَبِ أَخْبَرَهَا بِمَا جَرَى. فَاشْتَدَّ كَرْبُهَا وَ بَكَتْ وَ حَزِنَتْ حُزْنًا شَدِيدًا. وَ قَالَتْ: "يَا وَلَدِي إِنَّ هَذَا كُلَّهُ نَتِيجَةُ تَسَاهُلِكُمْ وَ عَدَمُ تَأَمُّلِكُمْ فِي الْأُمُورِ. لِأَنَّ أَجْوِبَتَكُمْ هِيَ الَّتِي أَرْشَدَتْ عَدُوَّكُمْ إِلَى كُلِّ مَا عَمِلَهُ مِنَ الْحِيَلِ وَ فَتَحَتْ لَهُ بَابَ الْخَدَاعِ فَسَهُلَ عَلَيْهِ افْتِرَاسُ إِخْوَتِكَ."
اَلدَّرْسُ الثَّالِثُ وَ الْمِائَةُ
اَللِّصَّانِ وَ الْحِمَارُ
مُضِيٌّ مُقَابَلَةٌ صَحْفَةٌ إِعْجَابٌ إِيَابٌ زُقَاقٌ رِبْحٌ
يُحْكَى أَنَّ لِصَّيْنِ سَرَقَا حِمَارًا وَ مَضَى أَحَدُهُمَا لِيَبِيعَهُ. فَقَابَلَهُ رَجُلٌ مَعَهُ صَحْفَةٌ فِيهَا سَمَكٌ. فَقَالَ لَهُ: "أَتَبِيعُ هَذَا الْحِمَارَ؟" قَالَ: "نَعَمْ." قَالَ لَهُ: "أَمْسِكْ هَذِهِ الصَّحْفَةَ حَتَّى أَرْكَبَهُ وَ أُجَرِّبَهُ فَإِنْ أَعْجَبَنِي اشْتَريْتُهُ." فَأَمْسَكَ اللِّصُّ الصَّحْفَةَ وَ رَكِبَ الرَّجُلُ الْحِمَارَ. وَ أَخَذَ يُجْرِيهِ ذَهَابًا وَ إِيَابًا حَتَّى ابْتَعَدَ عَنِ اللِّصِّ كَثِيرًا. فَدَخَلَ بَعْضَ الْأَزِقَّةِ وَ مَا زَالَ يَقْطَعُ بِهِ مِنْ زُقَاقٍ إِلَى آخَرَ حَتَّى اخْتَفَى عَنْهُ. فَأَخَذَتِ اللِّصَّ الْحَيْرَةُ مِنْ ذَلِكَ وَ عَرِفَ أَخِيرًا أَنَّهَا حِيلَةٌ عَلَيْهِ. فَرَجَعَ بِالصَّحْفَةِ فَالْتَقَاهُ رَفِيقُهُ فَقَالَ: "مَا فَعَلْتَ بِالْحِمَار،ِ هَلْ بِعْتَهُ؟" قَالَ: "نَعَمْ." فَقَالَ: "بِكَمْ بِعْتَهُ؟"قَالَ:"بِرَأْسِ مَالِهِ وَ هَذِه الصَّحْفَةُ رِبْحٌ."

اَلدَّرْسُ الرَّابِعُ وَ الْمِائَةُ


اَلذِّئْبُ
وِجَارٌ بَرِّيَّةٌ حَاسَّةٌ شَمٌّ فَرْسَخٌ عَوْدٌ اِنْفِرَادٌ

عَوَاءٌ جَرٌّ اِسْتِئْنَافٌ وَلَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ تُذْكَرُ


اَلذِّئْبُ مِنْ أَشْرَسِ السِّبَاعِ خُلْقًا وَ أَشَدِّهَا وَ أَضَرِّهَا لِلنَّاسِ. وَ هُوَ أَكْبَرُ مِنَ الْكَلْبِ وَ أَشْبَهُ الْحَيْوَنَاتِ بِهِ. وَ يَتَّخِذُ وِجَارَهُ فِي الْغَابَاتِ الْبَعِيدَةِ عَنْ مَسَاكِنِ النَّاسِ. وَ يَعِيشُ أَيَّامَ الصَّيْفِ عَلَى الْأَرْنَبِ وَ الْعَصَافِرِ وَ غَيْرِهِمَا مِنَ الْحَيْوَنَاتِ الصَّغِيرَةِ. فَأَمَّا فِي الشِّتَاءِ فَيَخْرُجُ مِنَ الْغَابَةِ فَيَطُوفُ فِي الْبَرَارِيِّ جَمَاعَاتٍ فِي طَلَبِ الْفَرِيسَةِ. وَ لَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ نُذْكَرُ وَ لَكِنَّهُ لاَ يَعْرِفُ الْخَوْفَ. فَإِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْجُوعُ يَزْدَادُ شَرَاسَةً فَيَقْصِدُ الْقُرَى وَ يَهْجُمُ عَلَى الْعَنَمِ وَ الْبَقَرِ وَ الْخَيْلِ. وَ أَكْثَرُ مَا يَهْجُمُ عَلَيْهَا فِي الصُّبْحِ حِينَ يَنَامُ الْكِلاَبُ. وَ هُوَ يَخَافُ الْإِنْسَانَ إِذَا لَمْ يَهْرُبْ مِنْهُ. وَ لَكِنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَخَافُهُ وَ يَهْرُبُ مِنْهُ يَطْمَعُ فِيهِ فَيُدْرِكُهُ وَ يَفْتَرِسُهُ. وَ حَاسَّةُ الشَّمِّ فِيهِ قَوِيَّةٌ جِدًّا فَقَدْ يَشُمُّ الشَّيْءَ مِنْ فَرْسَخٍ أَوْ أَكْثَرَ. وَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ إِذَا أَكَلَ فَرِيسَتَهُ وَ شَبِعَ مِنْهَا لاَ يَعُودُ إِلَيْهَا أَبَدًا. وَ مِنْ خِصَالِهِ أَيْضًا أَنَّهُ إِذَا مَرِضَ اِنْفَرَدَ عَنِ الذِّئَابِ لِأَنَّهَا إِذَا أَحَسَّتْ بِمَرَضِ وَاحِدٍ مِنْهَا تَجْتَمِعُ إِلَيْهِ فَتَأْكُلُهُ. وَ مِنْ عَجِيبِ أَمْرِهِ أَنَّهُ إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْجُوعُ عَوَى فَيَجْتَمِعُ إِلَيهِ الذِّئَابُ وَ يَقِفُ بَعْضُهَا تُجَاهَ بَعْضٍ. فَمَنْ وَلَّى مِنْهَا وَثَبَ إِلَيْهِ الْبَاقُونَ وَ أَكَلُوهُ.

يُحْكَى أَنَّ أَحَدَ الْأَشْرَافِ كَانَ رَاكِبًا مَعَ زَوْجَتِهِ مَرْكَبَةً شَتَوِيَّةً تَجُرُّهَا ثَلاَثَةُ أَفْرَاسٍ. فَلَحِقَهُ قَطِيعٌ مِنَ الذِّئَابِ يُرِيدُ افْتِرَاسَهُ. فَأَخَذَ السَّائِقُ يَحُثُّ الْأَفْرَاسَ وَ يَضْرِبُهَا بِالسَّوْطِ فِرَارًا مِنَ الذِّئَابِ. وَ جَعَلَتِ الذِّئَابُ تَشْتَدُّ فِي الْجَرْىِ حَتَّى أَدْرَكَتِ الْمَرْكَبَةَ. فَأَمَرَ الرَّجُلُ السَّائِقَ أَنْ يُخَلِّيَ أَحَدَ الْأَفْرَاسِ لِكَيْ تَشْتَغِلَ بِهِ عَنْهُمْ. فَأَكَلَتْهُ فِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ ثُمَّ اسْتَأْنَفَتِ الْجَرْىَ. فَخَلَّى لَهَا السَّائِقُ فَرَسًا آخَرَ. وَ أَمَّا الثَّالِثُ فَأَوْصَلَهُمْ إِلَى قَرْيَتِهِمْ سَالِمِينَ.


اَلدَّرْسُ الْخَامِسُ وَ الْمِائَةُ
اَلْحَمَامَةُ وَ الثَّعْلَبُ وَ مَالِكٌ الْحَزِينُ
لَقْلَقٌ بَيْضٌ نَخْلَةٌ حَضَانَةٌ إِفْرَاخٌ نَجَاةٌ شَاطِئٌ هَمْزٌ دَقٌّ
كَانَتْ حَمَامَةٌ تَبِيضُ فِي رَأْسِ نَخْلَةٍ طَوِيلَةٍ جِدًّا. وَكَانَتْ لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَبْنِيَ عُشَّهَا إِلاَّ بَعْدَ تَعَبٍ شَدِيدٍ وَ غِنَاءٍ كَبِيرٍ بِسَبَبِ طُولِ النَّخْلَةِ. فَإِذَا أَتَمَّتْ بِنَاءَ الْعُشِّ بَاضَتْ ثُمَّ حَضَنَتْ بَيْضَهَا فَإِذَا أَفْرَخَتْ وَ أَدْرَكَتْ فِرَاخُهَا جَاءَهَا ثَعْلَبٌ اعْتَادَ أَنْ يَذْهَبَ إِلَيْهَا فَتَخَافُ مِنْهُ فَتُلْقِي فِرَاخَهَا إِلَيْهِ. فَبَيْنَمَا هِيَ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسَةٌ فِي عُشِّهَا حَزِيَنَةً وَ قَدْ أَدْرَكَ لَهَا فَرْخَانِ إِذْ أَقْبَلَ لَقْلَقٌ فَوَقَعَ عَلَى النَّخْلَةِ فَلَمَّا رَأَى الْحَمَامَةَ حَزِينَةً قَالَ لَهَا: "مَالِي أَرَاكِ شَدِيدَةَ الْهَمِّ سَيِّئَةَ الْحَالِ؟" فَقَالَتْ لَهُ: "يَا لَقْلَقُ، إِنَّنِي ابْتُلِيْتُ بِثَعْلَبٍ كُلَّمَا أَدْرَكَ فِرَاخِي جَاءَنِي فَهَدَّدَنِي بِالصُّعُودِ إِلَيَّ فَأَرْمِي إِلَيْهِ فِرَاخِي مِنَ الْخَوْفِ." قَالَ لَهَا لَقْلَقٌ: "إِذَا أَتَاكَ هَذِهِ الْمَرَّةَ فَقُوْلِي لَهُ اِصْعَدْ أَيُّهَا الثَّعْلَبُ إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ فَإِذَا أَمْكَنَكَ ذَلِكَ أَطِيرُ أَنَا فَأَنْجُو بِنَفْسِي مِنْكَ." ثُمَّ طَارَ لَقْلَقٌ إِلَى شَاطِئِ النَّهْرِ. فَأَقْبَلَ الثَّعْلَبُ وَ فَعَلَ باِلْحَمَامَةِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ قَبْلُ. فَأَجَابَتْهُ الْحَمَامَةُ كَمَا عَلَّمَهَا لَقْلَقٌ. فَقَالَ لَهَا: "مَنْ عَلَّمَكِ هَذَا؟" قَالَتْ: "عَلَّمَنِي لَقْلَقٌ." فَتَوَجَّهَ الثَّعْلَبُ إِلَى لَقْلَقٍ وَ وَجَدَهُ وَاقِفًا عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ. فَقَالَ: "يَا لَقْلَقُ أَيْنَ تَجْعَلُ رَأْسَكَ إِذَا أَتَتْكَ الرِّيحُ عَنْ يَمِينِكَ؟" قَالَ: "عَنْ شِمَالِي." قَالَ الثَّعْلَبُ: "فَإِذَا أَتَتْكَ عَنْ شِمَالِكَ أَيْنَ تَجْعَلُ رَأْسَكَ؟" قَالَ: "عَنْ يَمِينِي أَوْ خَلْفِي." قَالَ: "فَإِذَا أَتَتْكَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ؟ قَالَ أَجْعَلُهُ تَحْتَ جَنَاحَيَّ." قَالَ الثَّعْلَبُ: "وَ كَيْفَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ أَلاَ تُرِينِي كَيْفَ تَصْنَعُ؟" فَأَدْخَلَ لَقْلَقٌ رَأْسَهُ تَحْتَ جَنَاحِهِ فَوَثَبَ عَلَيْهِ الثَّعْلَبُ فَأَخَذَهُ ثُمَّ هَمَزَهُ هَمْزَةً دَقَّ بِهَا عُنُقَهُ. ثُمَّ قَالَ: "يَا عَدُوَّ نَفْسِكَ، تُعَلِّمُ الْحَمَامَةَ الْحِيلَةَ وَ تَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ لِنَفْسِكَ." ثُمَّ قَتَلَهُ وَ أَكَلَهُ.

اَلدَّرْسُ السَّادِسُ وَ الْمِائَةُ


اَلْغُرَابُ
اِعْتِدَالٌ إِبْصَارٌ دَهْاءٌ قَفْزٌ فَوْتٌ تَلَفُّتٌ تَأْكِيدٌ تَمَرُّنٌ وَضْعٌ مُطَوَّلٌ
كَانَ الْغُرَابُ فِي الزَّمَانِ الْخَالِي يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْهِ بِاعْتِدَالِ

فَأَبْصَرَ الْعُصْفُورَ يَوْمًا يَلْعَبُ وَقَدْ دَهَى عَقْلَ الْغُرَابِ الْعَجَبُ

فَلَمْ يَزَلْ يَسْتَحْسِنُ الْتِفَاتَهْ وَقَفْزَهُ حِينَ مَشَى وَفَاتَهْ

وَ فَكَّرَ الْغُرَابُ فِي تَلَقُّتِهْ وَطَيْرِهِ وَ وَثْبِهِ وَ خِفَّتِهْ

وَ أَكَّدَ الْغَزْمَ عَلَى تَقْلِيدِهِ وَ حَاوَلَ الْخُرُوجَ عَنْ حُدُودِهِ

وَ لَمْ يَزَلْ يَعْمَلُ مَا فِي وُسْعِهِ وَ لَمْ يُفَكِّرْ فَي الَّذِي مِنْ طَبْعِهِ

فَخَابَ مِنْهُ السَّعْيُ بَعْدَ زَمَنٍ مُطَوَّلٍ قَضَاهُ فِي التَّمَرُّنِ

وَعَادَ لِلْوَضْعِ الْقَدِيمِ الْأَوَّلِ مَا شَفَى النَّفْسَ بَنَيْلِ الْأَمَلِ

لَكِنَّهُ قَدْ نَسِيَ التَّمَشِّي َ لَمْ يَعُدْ يَعْرِفُ كَيْفَ يَمْشِي
اَلدَّرْسُ السَّابِعُ وَ الْمِائَةُ
رَجَعْتُ بِخُفَّيْ حُنَيْنٍ
أَعْرَابِيٌّ اَلْحِيرَةُ إِسْكَافٌ مُسَاوَمَةٌ إِضْمَارٌ حِذَاءٌ مَكْمَنٌ عَقْلٌ اِغْتِيَاظٌ
يُحْكَى أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَصَدَ الْحِيرَةَ لِيَشْتَرِيَ بَعْضَ الْأَمْتِعَةِ. فَقَابَلَهُ هُوَ فِي سُوقِهَا إِسْكَافٌ يُدْعَى حُنَيْنًا وَ بِيَدِهِ خُفَّانِ. فَسَاوَمَهُ الْأَعْرَابِيُّ بِهِمَا وَ لَمْ يَشْتَرِهِمَا لِغَلاَءِ ثَمَنِهَا. فَاغْتَاظَ الْإِسْكَافُ عَلَيْهِ وَ أَضْمَرَ لَهُ فِي نَفْسِهِ السُّوءَ. فَخَرَجَ إِلَى الطَّرِيق الَّذِي لاَ بُدَّ لِلْأَعْرَابِيِّ مِنَ الْمُرُورِ بِهِ. فَعَلَّقَ أَحَدَ الْخُفَّيْنِ فِي شَجَرَةٍ عَلَى ذَلِكَ الطَّرِيقِ وَ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَ طَرَحَ الْآخَرَ وَ اخْتَفَى. فَجَاءَ الْأَعَربِيُّ تِجَاهَ الْخُفِّ الَّذِي فَوْقَ الشَّجَرَةِ فَقَالَ: "مَا أَحْسَنَ هَذَا الْخُفَّ وَ مَا أَشْبَهَهُ بِخُفِّ حُنَينٍ لَوْ كَانَ مَعَهُ الْآخَرُ لاَخَذْتُهُ." ثُمَّ تَقَدَّمَ فَرَأَى الْخُفَّ الْآخَرَ مَطْرُوحًا. فَنَزَلَ وَ عَقَلَ بَعِيْرَهُ وَ أَخَذَهُ وَ رَجَعَ لِيَأْخُذَ الْأَوَّلَ. وَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ خَرَجَ حُنَيْنٌ مِنْ مَكْمَنِهِ فَأَخَذَ الْبَعِيرَ وَ ذَهَبَ. فَلَمَّا رَجَعَ الْأَعْرَبِيُّ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي عَقَلَ فِيهِ بَعَيْرَهُ لَمْ يَجِدْهُ. فَتَأَسَّفَ كَثِيرًا وَ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ مَاشِيًا. فَسَأَلُوهُ: "بِمَ رَجَعْتَ مِنَ الْحِيرَةِ؟" فَأَجَابَهُمْ بِقَوْلِهِ: "رَجَعْتُ بِخُفَّيْ حُنَيْنِ" فَصَارَتْ مَثَلاً يُضْرَبُ لِكُلِّ مَنْ رَجَعَ خَائِبًا مِنْ سَعْيِهِ.

اَلدَّرْسُ الثَّامِنُ وَ الْمِائَةُ


اَلْبَبَّغَاءُ
عَرِيضٌ حِكَايَةٌ كَشِفٌ سِرْبٌ كَرَزٌ نَقْرٌ لُبٌّ مَعْقُوفٌ مَفْصِلٌ رُقْيٌ اِسْتِحْمَامٌ تَبَرُّدٌ جُثُومٌ تَصْفِيقٌ هُبُوبٌ قَيْلُولَةٌ بَيْتُوتَةٌ اِزْدِحَامٌ مَبِيتٌ لِحَاءٌ
اَلْبَبَّغَاءُ طَائِرٌ عَلىَ قَدَرِ الْحَمَامَةِ. لَهُ لِسَانٌ عَرِيضٌ وَ قُوَّةٌ عَلَى حِكَايَةِ الْأَصْوَاتِ. فَالْأَلِيفُ مِنْهُ يَحْفَظُ كَلاَمَ النَّاسِ وَ يُعِيدُهُ إِذَا سَمِعَهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. وَ هُوَ يَخْتَلِفُ فِي اللَّوْنِ، فَقَدْ يَكُونُ أَحْضَرٌ أَوْ أَصْفَرٌ أَوْ أَبْيَضٌ. وَ يَكْثُرُ فِي غَابَاتِ الْبُلْدَانِ الْحَارَّةِ كَالْهِنْدِ وَ أَفْرِيقْيَةَ وَ أَمِرِيكَةَ الْجَنُوبِيَّةِ. وَ أَحَبُّ الْغَابَاتِ إِلَيْهِ مَا كَانَ مِنْهَا كَشِفَ الشَّجَرِ أَحْضَرَ الْوَرَقِ. فَتَجْتَمِعُ عَلَى أَغْصَانِ الْأَشْجَارِ أَسْرَابٌ كَثِيرَةُ الْعَدَدِ تَصِيحُ وَ تُصَوِّتُ أَصْوَاتًا مُخْتَلِطَةً فَيُسْمَعُ لَهَا ضَجِيجٌ شَدِيدٌ. وَ هُوَ يَعِيشُ عَلَى أَثْمَارِ الْأَشْجَارِ. وَ الْكََرَزُ الْبَرِّيُّ يَلَذُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ الْأَثْمَارِ وَ لاَ سِيَّمَا بَزْرُهُ. فَإِنَّهُ يَضْرِبُهُ بِمِنْقَارِهِ فَيَنْقُرُهُ وَ يَسْتَخْرِجُ لُبَّهُ فِي الْحَالِ. وَ مِنْقَارُ الْبَبَّغَاءِ قَوِيٌّ حَادٌّ قِسْمُهُ الْأَسْفَلُ قَصِيرٌ وَ الْأَعْلَى طَوِيلٌ مَعْقُوفٌ عَلَى الْأَسْفَلِ. وَ أَمَّا رِجْلُهُ فَهِيَ مُفََصَّلَةٌ إِلَى أَصَابِعَ. وَ لِلْأَصَابِعِ مَفَاصِلُ لَيِّنَةٌ فَيَطْوِيهَا كَيْفَ يَشَاءُ كَمَا يَطْوِي الْإِنْسَانُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ. وَ بِهَا يَسْتَعِينُ عَلَى الصُّعُودِ إِلَى الْأَشْجَارِ فَيَتَعَلَّقُ بِمِنْقَارِهِ فِي غُصْنٍ وَ يُمْسِكُ بِرِجْلِهِ آخَرَ ثُمَّ يَجْذِبُ نَفْسَهُ إِلَى فَوْقُ. وَ لاَ يَزَالُ يَرْقَى هَكَذَا حَتَّى يَصِلَ إِلَى رَأْسِ الشَّجَرَةِ. وَ الْبَبَّغَاءُ يُحِبُّ الْاِسْتِحْمَامَ كَثِيرًا. فَلاَ تَزالُ الْبَبَّغَاوَاتُ تَطِيرُ فِي طَلَبِ الْمَاءِ مِنْ غَابَةٍ إِلَى غَابَةٍ حَتَّى تَقَعَ عَلَى غَدِيرٍ أَوْ نَهْرٍ فِيهِ مَاءٌ صَافٍ فَتَنْزِلُ تَتَبَرَّدُ فِيهِ زَمَانًا. ثُمَّ تَصْعُدُ وَ تَجْثُمُ جَمِيعُها فِي الشَّمْسِ تُصَفِّفُ رِيشَهَا بِمِنْاقَرِهَا إِلَى أَنْ تَنْشَفَ. وَ عِنْدَ الظُّهْرِ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَرِّ تَقْصُدُ الْبَبْغَاوَاتُ مَكَانًا ظَلِيلاً مِنَ الْغَابَةِ لاَ تُصِيبُهُ الشَّمْسُ فَتَنَامُ فِيهِ عَلَى الْأَغْصَانِ نَوْمًا خَفِيفًا. وَ عِنْدَ الْعَصْرِ أَوْ بَعْدَهُ قَلِيلاً تَهُبُّ مِنْ قَيْلُولَتِهَا وَ تَرْجِعُ إِلَى الصِّيَاحِ وَ تَنْتَشِرُ فِي طَلَبِ الْقُوتِ ثُمَّ تَعُودُ إِلَى الاِسْتِحْمَامِ. وَ عِنْدَِ الْغُرُوبِ تَبِيتُ فِي جَوْفِ شَجَرَةٍ تَزْدَحِمُ حَتَّى يَضِيقَ بِهَا الْمَبِيتُ. وَ الْمُتَأَخِّرُ مِنْهَا يَتَعَلَّقُ بِمِنْقَارِهِ وَ مَخَالِبِهِ بِلِحَاءِ الشَّجَرَةِ حَوْلَ الْمَبِيتِ طُولَ اللَّيْلِ.
اَلدَّرْسُ التَّاسِعُ وَ الْمِائَةُ
اَلسُّلَحْفَاةُ وَ الْبَطَّتَانِ
غَيْضٌ بَيَانٌ فَقَأٌ كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى إِرْضَائِكَ
يُحْكَى أَنَّ غَدِيرًا كَانَ عِنْدَهُ عُشْبٌ وَ كَانَ فِيهِ بَطَّتَانِ. وَ كَانَ فِي الْغَدِيرِ سُلَحْفَاةٌ، بَيْنَهَا وَ بَيْنَ الْبَطَّتَانِ صَدَاقَةٌ فَاتَّفَقَ أَنْ غِيضَ ذَلِكَ الْمَاءُ. فَجَاءَتْ الْبَطَّتَانِ لِوَدَاعِ السُّلَحْفَاةِ وَ قَالَتَا: "السَّلاَمُ عَلَيْكِ فَإِنَّنَا ذَاهِبَيْنِ عَنْ هَذَا الْمَكَانِ لِأَجْلِ نُقْصَانِ الْمَاءِ عَنْهُ." فَقَالَتْ: "إِنَّمَا يَبِينُ نُقْصَانُ الْمَاءِ عَلَى مِثْلِيَ الَّتِي كَأَنِّي السَّفِينَةُ لاَ أَقْدِرُ عَلَي الْعِيشِ إِلاَّ بِالْمَاءِ. فَأَمَّا أَنْتُمَا فَتَقْدِرَانِ عَلَى الْعِيشِ حَيْثُ كُنْتُمَا فَاذْهَبَا بِي مَعَكُمَا." قَالَتَا: "نَعَمْ." قَالَتْ: "كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى حَمْلِي." قاَلَتَا: "نَأْخُذُ بِطَرَفَيْ عَوْدٍ وَ تَقْبَضِينَ بِفِيكِ عَلَى وَسَطِهِ وَ نَطِيرُ بِكِ فِي الْجَوِّ. وَ إِيَّاكِ إِذَا سَمِعْتِ النَّاسَ يَتَكَلَّمُونَ أَنْ تَنْطِقِي." ثُمَّ أَخَذَتَاهَا فَطَارَتَا بِهَا فِي الْجَوِّ. فَقَالَ النَّاسُ: "عَجَبٌ سُلَحْفَاةٌ بَيْنَ بَطَّتَيْنِ قَدْ حَمَلَتَاهَا." فَلَمَّا سَمِعَتْ ذَلِكَ قَالَتْ: "فَقَأَ اللهُ أَعْيُنَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ." فَلَمَّا فَتَحَتْ فَاهَا بِالنُّطْقِ وَقَعَتْ عَلَى الْأَرْضِ فَمَاتَتْ.
اَلدَّرْسُ الْعَاشِرُ وَ الْمِائَةُ
اَلْحُوتُ
زِعْنِفَةٌ فَكٌّ اِشْتِبَاكٌ فَغْرٌ شِدْقٌ هُدْبٌ مِصْفَاةٌ

اِبْتِلاَعٌ مَهْلٌ حُوتٌ تَجْهِيزٌ عُدَّةٌ مِطْرَدٌ حَرْبَةٌ



غَرْزٌ إِدْمَاءٌ عَيَاءٌ عَوْمٌ شَحْمٌ زَيْتٌ قَارِبٌ قَلْبٌ
اَلْحُوتُ أَعْظَمُ الْحَيْوَانَاتِ جِسْمًا. وَ أَظُنُّكَ لَمْ تَرَ فِي زَمَانِكَ كُلَّهُ بَيْتًا كَبِيرًا يَكْفِي لِأَنْ يَسَعَ حُوتًا وَاحِدًا. وَ هُوَ يَعِيشُ فِي الْبِحَارِ وَ يَسْبَحَ فِيهَا بِوَاسِطَةِ ذَنَبِهِ وَ زَعَانِفِهِ كَسَائِرِ الْأَسْمَاكِ.وَ لَكِنَّهُ لاَ يُعَدُّ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَتَنَفَّسُ الْهَوَاءَ كَمَا نَتَنَفَّسُهُ نَحْنُ. وَ لِلْحُوتِ فَمٌ كَبِيرٌ جِدًّا. وَ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْأَسْنَانِ وَ لَكِنَّ فِي فَكِهِ الْأَعْلَى عِظَامٌ دَقِيقَةٌ مُشْتَبِكٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَ مُتَدَلِّيَةٌ مِنْهُ كَأَهْدَابِ الثَّوْبِ. وَ هُوَ يَعِيشُ عَلَى الْأَسْمَاكِ الصَّغِيرَةِ السَّابِحَةِ فِي الْبَحْرِ. فَإِذَا رَأَى عَدَدًا مِنْهَا يَفْغَرُ فَاهُ الْوَاسِعَ فَيَدْخُلُهُ الْمَاءُ بِمَا فِيهِ مِنَ الْأَسْمَاكِ. ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَاءُ مِنْ شِدْقَيْهِ خُرُوجَهُ مِنَ الْمِصْفَاةِ وَ تَبْقَى الْأَسْمَاكُ مُشْتَبِكَةً بِالْأَهْدَابِ الْعَظْمِيَّةِ فَيَبْتَلِعُهَا عَلَى مَهْلِهِ. وَ التُّجَّارُ يُجَهِّزُونَ السُّفُنَ بِالرِّجَالِ وَ الْعُدَدِ لِصَيْدِهِ فَيَصْطَادُهُ الصَّيَّادُونَ طَعْنًا بِالْمَطَارِدِ وَ الْحِرَابِ الْمُشَعَّبَةِ فَتَغْرِزُ فِي جِسْمِهِ وَ تُدْمِيهِ كَثِيرًا جِدًّا. وَ لاَ يَزَالُونَ يَطْعَنُونَهُ حَتَّى يَعْيَا مِنَ التَّعَبِ وَ سَيَلاَنِ الدَّمِ ثُمَّ يَمُوتُ عَائِمًا عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ. فَيَأْخُذُونَ شَحْمَهُ وَ يَضَعَونَهُ فِي الْبَرامِيلِ وَ يَحْمِلُونَهُ إِلَى بِلاَدِهِمْ لِكَيْ يَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ شَحْمًا. وَ فِي صَيْدِهِ خَطَرٌ كَبِيرٌ عَلَى قَوَارِبِ الصَّيَّادِينَ لِمَا يَحْدُثُ مِنَ الاِضْطِرَابِ الشَّدِيدِ فِي سَطْحِ الْبَحْرِ عِنْدَ ارْتِفَاعِ الْحُوتِ وَ هُبُوطِهِ. وَ قَدْ يَضْرِبُ الْقَارِبَ بِذَنَبِهِ فَيَكْسِرُهُ أَوْ يَقْلِبُهُ بِمَنْ فِيهِ.
اَلدَّرْسُ الْحَادِي عَشَرَ وَ الْمِائَةُ
اَلْعُلْجُومُ وَ السَّرَطَانُ
تَعْشِيشٌ أَجَمَةٌ اِقْتِيَاتٌ هَرَمٌ سَرْطَانٌ عُلْجُومٌ إِجَابَةٌ تَمَكُّنٌ كَلْبَتَانِ فَعَاشَ بِهَا مَا عَاشَ حُبًّا وَكَرَامَةً كَآبَةٌ هَهُنَا هُنَالِكَ نَفَادٌ مُكَابَرَةٌ قَصَبٌ تَلٌّ
يُحْكَى أَنَّ عُلْجُومًا عَشَّشَ فِي أَجَمَةٍ كَثِيرَةِ السَّمَكِ. فَكَانَ يَقْتَاتُ بِمَا فِيهَا مِنَ السَّمَكِ. فَعَاشَ بِهَا مَا عَاشَ ثُمَّ هَزِمَ فََلَمْ يَسْتَطِعْ صَيْدًا. فَأَصَابَهُ جُوعٌ وَ هُزَالٌ شَدِيدٌ. فَجَلَسَ يَوْمًا حَزِينًا يَلْتَمِسُ الْحِيلَةَ فِي أَمْرِهِ. فَمَرَّ بِهِ سَرَطَانٌ فَرَأَى حَالَتَهُ وَ دَنَا مِنْهُ وَ قَالَ لَهُ: "مَالِي أَرَاكَ أَيُّهَا الطَّائِرُ هَكَذَا حَزِينًا كَئِيبًا؟" قَالَ الْعُلْجُومُ: "وَ كَيْفَ لاَ أَحْزَنُ وَ قَدْ كُنْتُ أَعِيشُ مِنْ صَيْدِ مَا هَهُنَا مِنَ السَّمَكِ. وَ إِنِّي رَأَيْتُ الْيَوْمَ صَيَّادَيْنِ قَدْ مَرَّا بِهَذَا الْمَكَان،ِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: "إِنَّ هَهُنَا سَمَكًا كَثِيرًا أَفَلاَ نَصِيدُهُ أَوَّلاً؟" فَقَالَ الْآخَرُ: "إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ فِي مَكَانٍ كَذَا سَمَكًا أَكْثَرَ مِنْ هَذَا السَّمَكِ فَلْنَبْدَأْ بِذَلِكَ فَإِذَا فَرَغْنَا مِنْهُ جِئْنَا إِلَى هُنَا فَصِدْنَا مَا فِيهِ مِنَ السَّمَكِ." وَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُمَا إِذَا فَرَغَا مِنْ صَيْدِ مَا هُنَالِكَ مِنَ السَّمَكِ جَاءَا إِلَى هُنَا فاَصْطَادَا مَا فِيهَا مِنَ السَّمَكِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَهُوَ هَلاَكِي وَ نَفَادُ مُدَّتِي." فَلَمَّا سَمِعَ السَّرَطَانُ ذَلِكَ مِنْهُ انْطَلَقَ إِلَى جَمَاعَةِ السَّمَكِ فَأَخْبَرَهُنَّ بِذَلِكَ. فَأَقْبَلْنَ عَلَى الْعُلْجُومِ وَ اسْتَشَرْنَهُ فِي أَمْرِهِنَّ. فَقَالَ الْعُلجُومُ: "أَمَّا مُكَابَرَةُ الصَّيَّادَيْنِ فَلاَ طَاقَةَ لِي بِهَا. وَ لاَ أَعْلَمُ حِيلَةً إِلاَّ الذَّهَابَ إِلَى غَدِيرٍ قَرِيبٍ مِنْ هُنَا فِيهِ سَمَكٌ كَثِيرٌ وَ مِيَاهٌ وَ قَصَبٌ. فَإِنِ اسْتَطَعْتُنَّ الاِنْتِقَالَ إِلَيْهِ كَانَ فِيهِ سَعَادَتُكُنَّ." فَقُلْنَ لَهُ: "إِنَّنَا لاَ نَسْتَطِيعُ ذَلِكَ إِلاَّ بِمَعُونَةٍ مِنْكَ فَنَرْجُوكَ أَنْ تَحْمِلَنَا إِلَى ذَلِكَ الْغَدِيرِ." فَأَجَابَ الْعُلْجُومُ إِلَى طَلَبِهِنَّ وَ جَعَلَ يَحْمِلُ كُلَّ يَوْمٍ سَمَكَتَيْنِ حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهِمَا إِلَى تَلٍّ فَيَأْكُلُهُمَا. فَلَمَّا جَاءَ الْعُلْجُومُ ذَاتَ يَوْمٍ لِأَخْذِ السَّمَكَتَيْنِ عَلَى عَادَتِهِ أَقْبَلَ عَلَيْهِ السَّرَطَانُ فَقَالَ لَهُ: "إِنِّي أَيْضًا أُرِيدُ أَنْ أَذْهَبَ إِلَى ذَلِكَ الْغَدِيرِ فَأَرْجُوكَ أَنْ تَحْمِلَنِي إِلَيْهِ." فَقَالَ لَهُ: "حُبًّا وَ كَرَامَةً." وَ احَتَمَلَهُ وَ طَارَ بِهِ حَتَّى إِذَا دَناَ مِنَ التَّلِّ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ السَّمَكَ فِيهِ نَظَرَ السَّرَطَانُ فَرَأَى عِظَامَ السَّمَكِ مَجْمُوعَةً هُنَاكَ. فَعَلِمَ أَنَّ الْعُلْجُومَ هُوَ صَاحِبُهَا وَ أَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ. فَأَخَذَ يُدَبِّرُ الْحِيَلَ لِلْخَلاَصِ عَنِ الْعُلْجُومِ وَإِهْلاَكِهِ حَتَّى تَمَكَّنَ مِنْ عُنُقِهِ فَعَصَرَهَا بِكَلْبَتَيْهِ فَمَاتَ. ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْأَجَمَةِ الَّتِي كَانَ يَعِيشُ فِيهَا فَأَخْبَرَ جَمَاعَةَ السَّمَكِ بِالْقِصَّةِ.
اَلدَّرْسُ الثَّانِي عَشَرَ وَ الْمِائَةُ
أَيُّ الثَّلاَثَةِ أَشَدُّ حُمْقًا
تَمَنِّى عِشْرَةُ طَوْقٌ زِقٌّ وَيْحٌ وَيْحَكَ
يُحْكَى أَنَّ أَحْمَقَيْنِ اصْطَحَبَا فِي طَرِيقٍ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا لَلْآخَرِ: "تَعَالَ نَتَمَنَّ عَلَى اللهِ، فَإِنَّ الطَّرِيقَ تُقْطَعُ بِالْحَدِيثِ." فَقَالَ: "أَنَا أَتَمَنَّى قُطْعَانَ غَنَمٍ أَنْتَفِعُ بِأَلْبَانِهَا وَ لُحُومِهَا وَ أَصْوَافِهَا" وَ قَالَ الْآخَرُ: "أَنَا أَتَمَنَّى قُطْعَانَ ذِئَابٍ أُرْسِلُهَا عَلَى غَنَمِكَ حَتَّى لاَ تَتْرُكَ مِنْهُ شَيْئًا." قَالَ: "وَيْحَكَ أَهَذَا مِنْ حَقِّ الصُّحْبَةِ وَ حُرْمَةِ الْعِشْرَةِ؟" فَتَصَايَحَا وَ تَخَاصَمَا وَ اشْتَدَّتِ الْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا حَتَّى تَمَاسَكَا بِالْأَطْوَاقِ. ثُمَّ تَرَاضِيَا عَلَى أَنَّ أَوَّلَ مَنْ يَطْلُعُ عَلَيْهِمَا يَكُونُ حَكَمًا بَيْنَهُمَا. فَطَلَعَ عَلَيْهِمَا شَيْخٌ بِحِمَارٍ عَلَيْهِ زِقَّانِ مِنْ عَسَلٍ. فَحَدَّثَاهُ بِحَدِيثِهِمَا فَأَنْزَلَ الزِّقَّيْنِ وَ فَتَحَهُمَا حَتَّى سَالَ الْعَسَلُ عَلَى التُّرَابِ. ثُمَّ قَالَ: "صَبَّ اللهُ دَمِي مِثْلَ هَذَا الْعَسَل ِ إِنْ لَمْ تَكُونَا أَحْمَقَيْنِ."

اَلدَّرْسُ الثَّالِثَ عَشَرَ وَ الْمِائَةُ

عِنْدَ الْمُعَلِّمِ الْمَرِيضِ




عِيَادَةٌ إِتْحَافٌ قَامَ لِهَذَا الْأَمْرِ وَ قَعَدَ اِسْتِعْدَادٌ فَطِنٌ

بَعِيدُ النَّظَرِ سَرْدٌ مُلْحَةٌ هَمٌّ إِجْلاَلٌ قَلَّما تَوًّا

إِنَّ وَالِدَتَنَا كَانَتْ تُوصِنَا دَائِمًا بِزِيَارَةِ أَقَارِبِنَا وَ أَصْدِقَائِنَا وَ عِيَادَتِهِمْ إِذَا مَرِضُوا. وَ كُنَّا أَيْضًا نَسْمَعُ كَثِيرًا تِلْكَ الْوَصِيَّةَ نَفْسَهَا مِنْ مُعَلِّمِنَا الْمَحْبُوبِ. لِذَلِكَ إِعْتَدْتُ أَنَا وَ أَخِي الصَّغِيرُ كَرِيمٌ أَنْ نَذْهَبَ كُلَّ جُمْعَةٍ إِلَى عَمَّتِنَا وَ نَسْأَلَهَا عَنْ صِحَّتِهَا. وَ هَكَذَا كُنَّا نَزُورُ خَالَنَا إِبْرَهِيمَ وَ بِنْتَ عَمِّنَا فَاطِمَةَ. وَ كَانَ هَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ يُسَرُّونَ كَثِيرًا بِزِيَارَتِنَا إِيَّاهُمْ وَ يُتْخِفُونَنَا بِشَيْءٍ مِنَ التُّفَّاحِ أَوِ الْبُرْتَقَالِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الْفَوَاكِهِ وَ كَثِيرًا مَا كُنَّا نَشْرَبُ مَعًا الشَّايَ أَوْ نَتَفَدَّى هَكَذَا كَانَ حَالُنَا مَعَ هَؤُلاَءِ الْأَقَارِبِ. مَرَّةً جَاءَ إِلَيْنَا ابْنُ عَمَّتِنَا سَعِيدٌ فِي السَّابِعَةِ وَ النِّصْفِ صَبَاحًا عَلَى خِلاَفِ عَادَتِهِ وَ أَخْبَرَ أَنَّ وَالِدَتُهُ مَرِضَتْ مَرَضًا شَدِيدًا. فَقُمْنَا لِذَلِكَ الْخَبَرِ وَ قَعَدْنَا وَاسْتَوْلَى عَلَيْنَا حُزْنٌ شَدِيدٌ. وَ قَدْ كُنْتُ أَنَا وَ أَخِي مُسْتَعِدَّيْنِ لِلذَّاهَابِ إِلَى الْمَدْرَسَةِ. فَتَقَدَّمْتُ إِلَى وَالِدَتِي وَ اسْتَأْذَنْتُهَا أَنْ أَذْهَبَ مَعَهَا إِلَى عَمَّتِنَا بَدَلَ الذَّهَابِ إِلَى الْمَدْرَسَةِ. فَقَالَتْ: لاَ، يَا بُنَيَّ، لاَ يَنْبَغِي لِلتِّلْمِيذِ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنِ الدَّرْسِ عَلَى حَالٍ سِوَى الْمَرَضِ. فَاذْهَبَا حَالاً إِلَى الْكُتَّابِ وَ بَعْدَ الدَّرْسِ تَعُودَانِ عَمَّتَكُمْ وَ أَنَا أَكُونُ أَيْضًا هُنَاكَ. ماَ رَأَيْتُ يَوْمًا قَطُّ أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ الْيَومِ فَكَأَنَّ الثَّانِيَةَ دَقِيقَةٌ وَ الدَّقِيقَةَ سَاعَةٌ. كَانَ أَوَّلاً دَرْسُ الْحِسَابِ ثُمَّ الْقِرَاءَةِ الْعَرَبِيَّةِ ثُمَّ دَرْسُ الْإِنْشَاءِ ثُمَّ دُرْوسُ الْأَشْيَاءِ ثُمَّ الرَّسْمُ. وَ كُنْتُ فِي الْحِسَابِ مُقَدَّمًا عَلَى جَمِيعِ التَّلاَمِذَةِ. وَ لَكِنَّ الْيَوْمَ مَا تَيَسَّرَ لِي أَنْ أَحُلَّ جَيِّدًا وَ لاَ مَسْئَلَةً وَاحِدَةً. وَ قَدْ تَفَرَّسَ الْمُعَلِّمُ لِمَا نَزَلَ بِي مِنَ الْكَآبَةِ وَ كَانَ فَطِنًا حَسَّاسًا بَعِيدَ النَّظَرِ وِ لَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ لِي فِي ذَلِكَ شَيْئًا وَ إِنَّمَا سَرَدَ لِي بَعْضِ الْمُلَحِ فَكَشَفَ عَنِّي بَعْضَ هَمِّي. وَ كَانَتْ هِيَ عَادَتَهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ. وَ لِذَلِكَ كُنَّا نُحِبُّهُ شَدِيدًا وً نُجِلُّهُ كَثِيرًا. وَ كَانَ بِنَا رَحِيمًا وَ عَلَيْنَا شَفُوقًا قَلَّمَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي النَّاسِ. وَ حِينَ تَمَّ الدَّرْسُ وَ أَذِنَ لَنَا الْمُعَلِّمُ بِالْإِنْصِرَافِ لَمْ نَرْجِعْ إِلَى الْبَيْتِ بَلْ سِرْنَا تَوًّا إِلَى دَارِ عَمَّتِنَا. وَ كَانَتْ وَالِدَتُنَا أَيْضًا هُنَاكَ. فَسَأَلَنَاهَا عَنِ الْخَبَرِ. فَقَالَتْ قَدْ دُعِيَ الطَّبِيبُ وَ عَايَنَهَا وَ قَالَ إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا مِنْ خَطَرٍ. فَفَرِحْنَا شَدِيدًا وَ حَمِدْنَا اللهَ كَثِيرًا. وَ لَمْ يَمْضِ عَلَى الْوَاقِعَةِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ حَتَّى شُفِيَتْ شِفَاءً تَامًّا وَ صَارَتْ تُتْحِفُنَا عِنْدَ زِيَارَتِنَا إِيَاهَا بِالْفَوَاكِهِ كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ مِنْ قَبْلُ. وَ كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَاسِطِ يَنَايِرَ.



اَلدَّرْسُ الرَّابِعَ عَشَرَ وَ الْمِائَةُ

عِنْدَ الْمُعَلِّمِ الْمَرِيضِ

إِلْمَامٌ صَاعِقَةٌ عَدَلَ سَعِيدًا بِمُحَمَّدٍ تَنَاوُبٌ تَوَسُّلٌ قَرْعٌ

صَاحِبَةٌ دَهْشَةٌ اِسْتِلْقَاءٌ عَاتِقٌ عَزِيزٌ مُبَاغَتَةٌ فِرَاقٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ تَذْكِيرٌ صَبَاحَ مَسَاءَ اِنْحِدَارٌ أَكْرَمْتُهُ أَيَّ إِكْرَامٍ

مَنْحٌ عَلَيْكَ الْاِجْتِهَادَ وَجْنَةٌ


جَاءَ فَصْلُ الرَّبِيعِ وَ حَانَ وَقْتُ الْاِمْتِحَانِ. وَ أَخَذَ التَّلاَمِذَةُ يَسْتَعِدُّونَ لِأَدَاءِ الْاِمْتِحَانِ أَشَدَّ الْاِسْتِعْدَادِ. وَ كَانَ أَخِي فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَ أَناَ فِي الْفَصْلِ الْأَخِيرِ. وَ لِذَلِكَ كَانَ اجْتِهَادِي أَكْثَرَ مِنِ اجْتِهَادِهِ وَ هَمِّي أَتَمَّ وَ أَعْظَمَ. وَ مَعَ ذَلِكَ كُنْتُ لاَ أَشُكُّ فِي أَنْ أَنَالَ الشَّهَادَةَ مَعَ الْمُكَافَأَةِ الْكُبْرَى. فِي الْيَومِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ إِبْرِيلَ ذَهَبْنَا إِلَى الْمَدْرَسَةِ صَبَاحًا كَعَادَتِنَا وَ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا مَكَاَنَهُ نَنْتَظِرُ دُخُولَ الْمُعَلِّمِ. فَلَمَّا دَقَّ الْجَرَسُ دَخَلَ عَلَيْنَا مَحْمُودٌ مُعَلِّمُ الْفَصْلِ الثَّانِي وَ أَخْبَرَنَا أَنَّ مُعَلِّمُنَا لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ الْيَوْمَ لِمَا أَلَمَّ بِهِ مِنَ الْمَرَضِ فَكَانَ لِهَذَا الْخَبَرِ وَقْعٌ شَدِيدٌ كَالصَّاعِقَةِ. وَ الْحَقَّ أَقُولُ إِنَّنَا لَمْ نَكُنْ نَعْدِلُ بِمُعَلِّمِنَا عُثْمَانَ أَحَدًا. وَ ذَلِكَ لِفَرْطِ شَفْقَتِهِ عَلَيْنَا وَ حُبِّنَا إِيَّاهُ. وَ لَكِنْ مَا الْحِيَلَةُ قَدْ كَانَ مَا كَانَ. مَضَى خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَ لَيْسَ مِنَ الْمُعَلِّمِ أَثَرٌ وَ لاَ خَبَرٌ. فَكَانَ مَحْمُودٌ الْمُقَدَّمُ ذِكْرُهُ وَ إِبْرَاهِيمُ مُعَلِّمُ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ يَتَنَاوَبَانِ عَلَيْنَا بِإِلْقَاءِ الدُّرُوسِ. وَ كَانَ أَيْضًا مُعَلِّمَيْنِ مَاهِرَيْنِ وَ مُرَبِّيَيْنِ وَ رَحِيمَيْنَ وَ لَكِنَّ عُثْمَانَ كَانَ أَمْهَرَ وَ أَرْحَمَ. هَكَذَا كُنَّا نَعْتَقِدُ. و‍َ كَانَتْ تِلْكَ الْأَيَّامُ الْخَمْسُ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ تِلْكَ الْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا عَمَّتِي مَرِيضَةً. وَ كُنْتُ قَدِ اسْتَأْذَنْتُ وَالِدَتِي مِرَارًا أَنْ أَعُودَهُ وَ لَمْ تَأْذَنْ لِي بِخَوْفِهَا مِنْ إِزْعَاجِي إِيَّاهُ بِعِيَادَتِي لَهُ. فَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ حَصَّلْتُ مِنْهَا الْإِذْنَ بَعْدَ تَوَصُّلٍ كَثِيرٍ فَانْطَلَقْتُ إِلَى بَيْتِ الْمُعَلِّمِ وَ قَرَعْتُ الْبَابَ. فَخَرَجَتْ صَاحِبَتُهُ وَ سَأَلَتْنِي عَنْ سَبَبِ مَجِيئِي ثُمَّ أَذِنَ لِي بِالدُّخُولِ. وَ لاَ تَسْأَلْ عَنِ الدَّهْشَةِ الَّتِى اسْتَوْلَتْ عَلَيَّ حِينَ دَخَلْتُ عَلَى مُعَلِّمِي الْمِسْكِينِ. كَانَتِ الْحُجْرَةُ ضَيِّقَةً مُظْلِمَةً وَ كَانَ هُو مُسْتَلْقِيًا عَلَى سَرِيرٍ ضَيِّقٍ. فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنْهُ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ بِصَوْتٍ خَفِيٍّ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ قَلِيلاً وَ رَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ. ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى عَاتِقِي وَ قَالَ لِي: قَدْ أَحْسَنْتَ يَا وَلَدِي بِعِيَادَتِكَ إِيَّايَ. وَ سَرَرْتَنِي كَثِيرًا بِذَلِكَ. وَ أَنَا كَمَا تَرَى يَا عَزِيزِي سَيِّئُ الْحَالِ. فَكَيْفَ أَنْتَ وَ أَصْحَابُكَ؟ أَظُنُّ أَنَّ أُمُورَ الْكُتَّابِ جَارِيَةٌ فِي مَجْرَاهَا وَ أَنَّكُمْ تَجْتَهِدُونَ عِنْدَ غِيَابِي كَمَا كُنْتُمْ تَجْتَهِدُونَ مِنْ قَبْلُ. وَ كُنْتُ أَرَدْتُ أَنْ أُبَيِّنَ لَهُ ذَلِكَ الْحُزْنَ الشَّدِيدَ الَّذِي اسْتَوَلَى عَلَيْنَا بِسَبَبِ مَرَضِهِ وَ غِيَابِهِ عَنَّا. فَكَأَنَّهُ قَدْ فَطِنَ لِذَلِكَ فَبَاغَتَنِى قَائِلاً: إِنِّي لاَ أَشُكُّ فِي مَحَبَّتِكُمْ اَيَّايَ وَ أَظُنُّكُمْ تَعْرِفُونَ أَيْضًا مِقْدَارَ حُبِّي إِيَّاكُمْ. وَ قَدْ شَقَّ عَلَيَّ كَثِيرًا فِرَاقُكُمْ وَ أَنَا أَرْجُو اللهَ تَعَالَى أَنْ يَشْفِيَنِي بِمَنِّهِ وَ كَرَمِهِ عَاجِلاً فَأَكُونَ بَيْنَ ظَهْرأَنِيْكُمْ فِي الْمَدْرَسَةِ. ثُمَّ أَشَارَ إِلَى الرَّسْمِ الْمُعَلَّقِ فِي الْجِدَارِ وَ قَالَ أَتَعْرِفُ مَنْ هُمْ فِي هَذَا الرَّسْمِ؟ فَقُلْتُ نَعَمْ هُمْ فُلاَنٌ وَ أَصحَابُهُ. قَالَ إِنَّهُمْ كَانُوا تَلاَمِذَةَ مُجْتَهِدِينَ وَ مُؤَدَّبِينَ جِدًّا. فَهُوَ أَعْظَمُ مُسَلٍّ لِي فِي هَذَا الْحَالِ. حَيْثُ يُذَكِِّرُنِي كُتَّابِي الْعَزِيزَ وَ اشْتِغَالِي فِيهِ صَبَاحَ مَسَاءَ وَ سَأُعَلِّقُ صُورَتَكَ وَ صُوَرَ أَصْحَابِكَ أَيْضًا بَعْدَ إِتْمَامِكُمُ الْمَدْرَسَةِ. هَلْ تُحِبُّونَ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ نَعَمْ وَ أَيَّ حُبٍّ. ثُمَّ رَأَيْتُهُ تَأْخُذُهُ الْحُمَّى فَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي الْإِنْصِرَافِ. فَتَنَاوَلَ بُرْتَقَالاً وَ مَنَحَنِيهِ ثُمَّ قَالَ: اِعْلَمْ يَا حَبِيبِي أَنَّ الْإِنْسَانَ لاَ يُدْرِكُ الْعُلَى إِلاَ بِجِدٍّ وَ تَعَبٍ. فَعَلَيْكَ الْلِإجْتِهَادَ ثُمَّ عَلَيْكَ الْإِجْتِهَادَ وَ أُوصِيكَ أَيْضًا أَنْ تُطِيعَ وَالِدَتَكَ دَائِمًا وَ تُكْرِمَهَا إِكْرَامًا فَتَنَالَ مَحَبَّةَ النَّاسِ وَ رِضَا اللهِ تَعَالَى. اِنْصَرِفْ يَا وَلَدِي. بِأَمَانَةِ اللهِ وَ اقْرَأْ مِنِّي عَلَى وَالِدَيْكَ وَ أَصْحَابِكَ كَثِيرَ السَّلاَمِ. وَ إِذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ لَنَا اللِّقَاءُ فَاذْكُرْ مُعَلِّمَكَ الْمِسْكِينَ الَّذِي عَلَّمَكَ وَ أَدَّبَكَ وَ أَحَبَّكَ وَ ادْعُ اللهَ لَهُ أَدْبَارَ الصَّلاَةِ فَلَمَّا سَمِعْتُ مِنْهُ هَذَا الْكَلاَمَ لَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ فَسَالَتا دَمْعًا. فَخَرَجْتُ مِنَ الْحُجْرَةِ وَ دُمُوعِي تَنْحَدِرُ إِلَى وَجْنَتَيَّ.

اَلدَّرْسُ الْخَامِسَ عَشَرَ وَ الْمِائَةُ


عَاقِبَةُ الْحِرْصِ
سَهْمٌ جُرْحٌ بَلِيغٌ بُرْهَةٌ طَارَ فَرَحًا نَابٌ وَتَرٌ سِيَةٌ حَلْقٌ
يُحْكَى أَنَّ صَيَّادًا خَرَجَ يَوْمًا إِلَى غَابَةٍ لِلصَّيْدِ وَ مَعَهُ قَوْسُهُ وَ سِهَامُهُ. فَلَمْ يُجَاوِزْ غَيْرَ بَعِيدٍ حَتَّى رَأَى ظَبْيًا. فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ فِي مَكَانِهِ. فَسُرَّ الصَّيَّادُ بِذَلِكَ سُرُورًا عَظِيمًا وَ حَمَلَهُ وَ تَوَجَّهَ إِلَى قَرْيَتِهِ. وَ فِيمَا هُوَ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ إِذْ أَبْصَرَ خِنْزِيرًا بَرِّيًّا مُقْبِلاً عَلَيْهِ. فَأَلْقَى الظَّبْيَ إِلَى الْأَرْضِ وَ صَوَّبَ عَلَيْهِ قَوْسَهُ وَ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَنَفَذَ فِيهِ وَ جَرَحَهُ جَرْحاً بَلِيغًا. فَهَجَمَ عَلَيْهِ الْخِنْزِيرُ بِغَبْطٍ وَ حَنَقٍ زَائِدَيْنِ وَ ضَرَبَهُ بِأَنْيَابِهِ ضَرْبَةً أَطَارَتْ مِنْ يَدِهِ الْقَوْسَ وَ وَقَعَا مَيِِّتَيْنِ. وَ بَعْدَ بُرْهَةٍ مِنَ الزَّمَنِ أَتَى ذِئْبٌ إِلَى هَذَا الْمَكَانِ فَطَارَ فَرَحًا بِمَا رَأَى. وَ قَالَ هَذَا الرَّجُلُ وَالظَّبْيُ وَ الْخِنْزِيرُ تَكُونُ قُوتًا لِي مُدَّةَ شَهْرٍ أَوْ يَزِيدُ. فَآكُلُ الْيَوْمَ هَذَا الْوَتَرَ وَ أَدَّخِرُ الْبَاقِيَ إِلَى غَدٍ فَمَا وَرَاءَهُ. ثُمَّ إِنَّهُ أَخَذَ يَقْطَعُ الْوَتَرُ فَعَالَجَهُ حَتَّى قَطَعَهُ. فَلَمَّا انْقَطَعَ طَارَتْ سِيَةُ الْقَوْسِ فَضَرَبَتْ حَلْقَهُ فَمَاتَ.
اَلدَّرْسُ السَّادِسَ وَ عَشَرَ وَ الْمِائَةُ
اَلرَّجُلُ وَ أَوْلاَدُهُ
خِلاَلٌ إِيدَاعٌ وَثِيقَةٌ إِيجَابٌ مُخَاطَرَةٌ إِنْقَاذٌ

غَرِيزَةٌ غَرِيزِيٌّ لَدُودٌ أَلَدُّ حَافَّةٌ ضَمٌّ


يُحْكَى أَنَّ رَجُلاً بَلَغَ سِنَّ الشَّيْخُوخَةِ. وَ كَانَ لَهُ ثَلاَثَةُ أَوْلاَدٍ وَ عِنْدَهُ مَالٌ كَثِيرٌ. وَ لَمَّا أَحَسَّ بَدُنُوِّ أَجَلِهِ قَسَّمَ أَمْوَالَهُ بَيْنَ أَوْلاَدِهِ وَ اخْتَارَ مِنْ هَذَا الْمَالِ جَوْهَرَةً ثَمَنِيَةً كَانَتْ عِنْدَهُ. وَ قَالَ لَهُمْ هَذِهِ تَكُونُ مُكَافَأَةً لِمَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ عَمَلاً جَلِيلاً فِي خِلاَلِ الثَّلاَثَةِ أَشْهُرٍ فَقَالَ أَكْبَرُهُمْ يَا وَالِدِي أَنَا قََْد عَمِلْتُ عَمَلاً جَلِيلاً أَسْتَحِقُّ أَنْ أُكَافَأَ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْجَوْهَرَةِ. فَقَالَ لَهُ وَ مَا هُوَ؟ قَالَ قَدْ أَوْدَعَ عِنْدِي رَجُلٌ مَالاً كَثِيرًا وَ لَمْ يَعْرِفْنِي مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَأْخُذْ عَلَيَّ وَثِيقَةً بِهِ. ثُمَّ سَلَّمْتُهُ إِلَيْهِ عِنْدَ طَلَبِهِ وَ مَا أَخَذْتُ مُكَافَأَةً عَلَى ذَلِكَ. فَقَالَ لَهُ وَالِدُهُ عَمَلَكَ هَذَا عَمَلٌ يُوجِبُهُ اللهُ عَلَيْكَ فَقَالَ الْوَلَدُ الثَّانِي أَنَا عَمِلْتُ عَمَلاً جَلِيلاً أَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمُكَافَأَةَ. فَقَالَ لَهُ وَ مَا هُوَ يَا وَلَدِي؟ فَقَالَ كُنْتُ مَاشِيًا عَلَى شَاطِئِ بُحَيْرَةٍ وَ إِذَا بِوَلَدٍ سَقَطَ فِيهَا فَخَاطَرْتُ بِحَيَاتِي وَ انْقَذْتُهُ مِنَ الْغَرَقِ ثُمَّ سَلَّمْتُهُ إِلَى أُمِّهِ. أَلَيْسَ هَذَا الْعَمَلُ شَرِيفًا أَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْمُكَافَأَةَ؟ فَقَالَ لَهُ يَا وَلَدِي هَذِهِ شَفْقَةٌ غَرِيزِيَّةٌ عِنْدَ كُلِّ إِنْسَانٍ. ثُمَّ قَالَ الْوَلَدُ الثَّالِثُ يَا وَالِدِي أَنَا الَّذِي عَمِلْتُ عَمَلاً جَلِيلاً أَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمُكَافَأَةَ. فَقَالَ لَهُ مَا هُوَ؟ قَالَ وَجَدْتُ أَحَدَ أَعْدَائِيَ الْأَلِدَّاءِ نَائِمًا عَلىَ حَافَّةِ هُوَّةٍ بِحَيْثُ لَوْ تَحَرَّكَ أَدْنَى حَرَكَةٍ لَوَقَعَ فِيهَا فَيَهْلَكَ. فَجِئْتُ بِجَانِبِهِ وَ أَيْقَظْتُهُ بِكَيْفِيَةٍ نَجَا مِنَ الْوُقُوعِ فِيهَا. فَضَمَّهُ وَالِدُهُ إِلَى صَدْرِهِ وَ قَالَ لَهُ يَا وَلَدِي هَذِهِ الْجَوْهَرَةُ الثَّمِينَةُ لَكَ حَيْثُ عَفَوْتَ عَنْ عَدُوِّكَ وَ انْقَذْتَهُ مِنَ الْهَلاَكِ مَعَ قُدْرَتِكَ عَلَيْهِ فَلاَ شَكَّ أَنَّ هَذَا مِنْ أَشْرَفِ الْأَعْمَالِ.
اَلدَّرْسُ السَّابِعَ عَشَرَ وَ الْمِائَةُ
اَلْمَطَرُ
بُخَارٌ غَيْمٌ سَوْقٌ قُبَّةٌ تَكَوُّنٌ قَطْرَةٌ مَجْرَى جُمُودٌ بَرَدٌ
اَلْمَطَرُ هُوَ بُخَارُ الْمَاءِ الَّذِي يَصْعَدُ إِلَى الْجَوِّ فَيَصِيرُ غُيُومًا وَ سُحُبًا تَسُوقُهَا الرِّيَاحُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ سَطْحِ الْأَرْضِ عَلَى أَبْعَادٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَ عِنْدَمَا تَبْلُغُ هَذِهِ الْغُيُومُ بَعْدَ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ ارْتِفَاعًا تَبْرُدُ و تَنْخَفِضُ دَرَجَةُ حَرَرَةِ الْهَوَاءِ فَلاَ يَسْتَطِيعُ حَمْلَهَا. فَتَسْقُطُ هَذِهِ الْغُيُومُ مُنْضَمًّا بَعْضُهَا إِلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ فَتَتَكَوَّنُ مِنْهَا قَطَرَاتُ الْمَطَرِ لِكَوْنِهَا أَثْقَلَ مِنَ الْهَوَاءِ الْكُرُوِيِّ. وَ الْغُيُومُ فِي الْجَوِّ عِنْدَ سَيْرِهَا كَثِيرًا مَا تُصَادِمُ رُؤُوسَ الْجِبَالِ فَتَصُبُّ مَا فِيهَا مِنَ الْبِخَارِ مَطَرًا عَلَى رُؤُوسِهَا وَ جَوَانِبِهَا. وَ قَدْ يَحْدُثُ الْمَطَرُ أَيْضًا مِنْ مُصَادَفَةِ السُّحُبِ مَجَارِيَ رِيَاحٍ دَرَجَةُ حَرَارَتِهَا دُونَ دَرَجَةِ حَرَارَةِ الْغَيْمِ السَّابِحِ وَ كَثِيرًا مَا تَجْمُدُ الْأَمْطَارُ عِنْدَ انْحِدَارِهَا بِسَبَبِ شِدَّةِ الْبَرْدِ فَتَنْزِلُ بَرَدًا أَوْ ثَلْجًا.
اَلدَّرْسُ الثَّامِنَ عَشَرَ وَ الْمِائَةُ
اَلْحَمَامَةُ وَ النَّمْلَةُ
اِرْتِوَاءٌ نَمِيرٌ تَحْدِيقٌ مُقْلَةٌ نَجْلاَءُ خَبْطٌ عَطْفٌ إِبْتِدَارٌ

مَثْوًى تَقَاذُفٌ بَيْدَاءٌ وَهْدَةٌ وَرْقَاءٌ وُرُودٌ قَرْصٌ قَنَصٌ

إِيجَازٌ أَخَذَ الْعَطْفُ عَلَيْهَا مَأْخَذًا
حَمَامَةٌ مَرَّتْ عَلَى غَدِيرِ لِتَرْتَوِي مِنْ مَائِهِ النَّمِيرِ

وَ حَدَّقَتْ بِمُقْلَةٍ نَجْلاَءَ لِنَمْلَةٍ تَخْبِطُ فِيهِ الْمَاءَ

فَأَخَذَ الْعَطْفُ عَلَيْهَا مَأْخَذًا فَابْتَدَرَتْ إِنْقَاذَهَا مِنَ الْأَذَى

فَطَرَحَتْ عُودًا لَهَا مِنْ حَطَبِ نَجَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَثَاوِي الْعَطَبِ

وَ بَعْدُ مِنْهُمَا دَنَا صَيَّادُ تَقَاذَفَتْهُ الْبَيْدُ وَ الْوِهَادُ

فَصَوَّبَ السَّهْمَ إِلَى الْوَرْقَاءِ يَنْوِي بِهَا مَوَارِدَ الْفَنَاءِ

وَحِينَ إِذْ أَرَادَ أَنْ يُرْسِلَهُ إِذَا بِقَرْصٍ مُؤْلِمٍ أَعْجَلَهُ

وَ بَيْنَمَا يَبْحَثُ عَمَّا يَقْرِصُهْ أَفْلَتَ مِنْهُ عِنْدَ ذَلِكَ قَنَصُهْ

وَ سَلِمَتْ مِنْ سَهْمِهِ الْحَمَامَهْ وَ رَجَعَتْ لِلْعُشِّ بِالسَّلاَمَهْ

وَهِىَ تَقُولُ قَوْلَهَا إِيجَازا كَمَا تُجَازِي هَكَذَا تُجَازَى


اَلدَّرْسُ التَّاسِعَ عَشَرَ وَ الْمِائَةُ
اَلْأَسَدُ
هَوْلٌ كَتِفٌ لِبْدَةٌ نَاعِمٌ إِقْلِيمٌ عَرِينٌ تَلَصُّصٌ خَيْمَةُ

سَائِحٌ زَمْجَرَةٌ إِهْتِزَازٌ أَكَمَةٌ نُفُورٌ تَسَوُّرٌ مُلاَعَبَةٌ وِدَادٌ

جَمِيلٌ ضِيقٌ يُعَمَّرُ ذَهَبَ كُلَّ مَذْهَبٍ
اَلْأَسَدُ مِنْ أَشَدِّ السِّبَاعِ قُوَّةً وَ أَهْوَلِهَا مَنْظَرًا. وَ هُوَ يُعْرَفُ بِمَلِكِ الْوُحُوشِ. وَ قُوَّتُهُ يُضْرَبُ بِهَا الْمَثَلُ. وَ لَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ لِبْدَةٌ كَثِيفَةٌ وَ شَعْرُ سَائِرِ بَدَنِهِ قَصِيرٌ نَاعِمٌ كَشَعْرِ الْبَقَرِ. وَ طُولُ الْأَسَدِ ثَلاَثُ أَذْرُعٍ تَقْرِيبًا. وَ عُلُوُّهُ ذِرَاعٌ وَ رُبْعٌ أَوْ يَزِيدُ. وَ هُوَ يُوجَدُ فِي الْأَقَالِيمِ الْحَارَّةِ مِنْ آسِيَا وَ آفْرِيقِيَّةَ. وَ الْأَسَدُ الْأَفْرِيقِيُّ أَكْبَرُ جُثَّةً وَ أَعْظَمُ قُوَّةً مِنَ الْأَسْيَوِيِّ. وَ هُوَ يُعَمَّرُ إِلَى أَنْ يُدْرِكَ خَمْسًا وَ عِشْرِينَ سَنَةً وَ قَدْ يَبْلُغُ فيِ الْأَقْفَاصِ مِئَةَ سَنَةٍ. وَ إِذَا كَانَ الْأَسَدُ شَبْعَانَ يُقِيمُ فِي عَرِينِهِ وَ يَنَامُ طُولَ النَّهَارِ وَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ فَيَمْشِي مُتَلَصِّصًا حَوْلَ قُطْعَانِ الْحَيْوَانِ وَ خِيَامِ السُّيَّاحِ وَ هُوَ يَخَافُ الْإِنْسَانَ نَهَارًا وَ يَتَشَجَّعُ فِي اللَّيْلِ. وَ لَهُ زَمْجَرَةٌ مُزْعِجَةٌ جِدًّا تَهْتَزُّ لَهَا الْغَابَاتُ وَ الْآكَامُ. وَ كَثِيرًا مَا يَهْجُمُ عَلَى قُرَى الْمَغْرِبِ فَيُرْعِبُ بَهَائِمَهَا بِزَمْجَرَتِهِ فَتَنْبَحُ الْكِلاَبُ وَ تَنْفُرُ الْخَيْلُ وَ الْجِمَالُ وَ يَتَفَرَّقُ الرِّجَالُ فِي أَطْرَافِ الْقَرْيَةِ يُوقِدُونَ نَارًا تَخْوِيفًا لَهُ. وَ قَدْ يَتَسَوَّرُ الْجُدْرَانَ فَيَخْطَفُ الْحَيْوَانَاتِ كَالْخِيلِ وَ الْجِمَالِ وَ الْبَقَرَةِ وَ غَيْرِهَا. وَ قَدْ يَجْسُرُ عَلَى اخْتِطَافِ الْإِنْسَانِ مِنْ بَيْنَ قَوْمِهِ و إِذَا جَاعَ الْأَسَدُ يَخْرُجُ مِنْ عَرِينِهِ نَهَارًا فَيَمْشِي فِي الْقَفْرِ حَيْثُ تَكُونُ حُمُرُ الْوَحْشِ وَ الظَّبَاءُ. وَ هِيَ إِذَا سَمِعَتْ زَمْجَرَتَهُ أَوْ شَمَّتْ رَائِحَتَهُ تَنْفِرُ مِنْهُ وَ تَذْهَبُ فِي الْفَلاَةِ كُلَّ مَذْهَبٍ. أَمَّا هُوَ فَيَكْمُنُ فِي الْآحَامِ أَوْ عِنْدَ مَوَارِدِ الْمِيَاهِ حَتَّى يَمُرَّ بِهِ حَيْوَانٌ مِنْهَا فَيَثِبُ إِلَيْهِ وَ يَفْتَرِسُهُ وَ مِنْ خِصَالِ الْأَسَدِ أَنَّهُ لاَ يَأْكُلُ فَرِيسَتَهُ قَبْلَ أَنْ يُلاَعِبَهَا كَمَا تُلاَعِبُ الْهِرَّةُ الْفَأْرَةَ. وَ يُوصَفُ بِحِفْظِ الْوِدَادِ وَ وَفَاءِ الْجَمِيلِ. وَ أُنْثَى الْأَسَدِ تُسَمَّى لَبُوءَةً. وَ هِيَ أَصْغَرُ مِنْهُ جُثَّةً وَ أَسْرَعُ حَرَكَةً وَ أَشَدُّ غَضَبًا. وَ لَيْسَ لَهَا لِبْدَةٌ مِثْلَهُ. وَ هِيَ تَلِدُ مِنْ جِرْوَيْنِ إِلَى أَرْبَعَةٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً. فَتَهْتَمُّ بِجِرَائِهَا اهْتِمَامًا شَدِيدًا وَ تُعَلِّمُهَا افْتِرَاسَ الْحَيْوَانَاتِ إِذْ تَأْتِي إِلَيْهَا بِحَيْوَانَاتٍ صَغِيرَةٍ لِتَفْتَرِسَهَا وَ تَضِيقُ أَخْلاَقُ اللَّبُوءَةِ مُدَّةَ الرَّضَاعَةِ وَ اهْتِمَامِهَا بِجِرَائِهَا وَ هِيَ لاَ تَتْرُكُ جِرَاءَهَا إِلاَ بَعْدَ أَنْ تَصِيرَ أَشْبَالاً.
اَلدَّرْسُ الْعِشْرُونَ وَ الْمِائَةُ
اَلْأَسَدُ وَ الْأَرْنَبُ وَ الْوُحُوشُ
داَبَّةٌ صَلاَحٌ تَأْمِينٌ مُصَالَحَةٌ قُرْعَةٌ رِفْقٌ إِمْهَالٌ إِبْطَاءٌ

جُبٌّ غَامِرٌ اِنْقِلاَبٌ لَكَ عَلَيَّ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمٌ ذَلِكَ لَكَ


يُحْكَى أَنَّ أَرْضًا كَثِيرَةَ الْمِيَاهِ وَ الْعُشْبِ كَانَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الْوُحُوشِ. وَ كَانَ فِيهَا أَسَدٌ عَظِيمٌ. فَكَانَتِ الْوُحُوشُ لاَ تَنْتَفِعُ بِهَا لِخَوْفِهَا مِنَ الْأَسَدِ. فَاجْتَمَعَتْ ذَاتَ يَوْمٍ وَ أَتَتْ إِلَيْهِ وَ قَالَتْ لَهُ إِنَّكَ لِتُصِيبُ مِنَّا دَابَّةٌ بَعْدَ الْجُهْدِ وَ التَّعَبِ. وَ قَدْ رَأَيْنَا رَأْيًا فِيهِ صَلاَحٌ لَكَ وَ أَمْنٌ لَنَا فَإِنَّ أَنْتَ أَمَّنْتَنَا وَ لَمْ تُخْفِنَا فَلَكَ عَلَيْنَا كُلَّ يَوْمٍِ دَابَّةٌ نَأْتِي بِهَا إِلَيْكَ فِي وَقْتِ غَدَائِكَ. فَرَضِيَ الْأَسَدُ بِذَلِكَ وَ صَالَحَ الْوُحُوشَ عَلَيْهِ وَ وَفَيْنَ لَهُ بِهِ. ثُمَّ إِنَّ أَرْنَبًا أَصَابَتْهَا الْقُرْعَةُ وَ صَارَتْ غَدَاءَ الْأَسَدِ فَقَالَتْ لِلْوُحُوشِ إِنْ أَنْتُنَّ رَفَقْتُنَّ بِي فِيمَا لاَ يَضُرُّكُنَّ رَجُوْتُ أَنْ أُرِيحَكُنَّ مِنَ الْأَسَدِ. فَقُلْنَ وَ مَا الَّذِي تُكَلِّفِينَنَا مِنَ الْأُمُورِ؟ قَالَتْ تَأْمُرْنَ الَّذِي يَنْطَلِقُ بِي إِلَى الْأَسَدِ أَنْ يُمْهِلَنِي قَلِيلاً فَأَبْطِئَ عَلَيْهِ بَعْضَ الْإِبْطَاءِ. فَقُلْنَ لَهَا ذَلِكَ لَكَ. فَانْطَلَقَتِ الْأَرْنَبُ مُتَبَاطِئَةً حَتَّى جَاوَزَتِ الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ يَتَغَدَّى فِيهِ الْأَسَدُ. ثُمَّ تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ وَحْدَهَا رُوَيْدًا وَ قَدْ جَاعَ وَ غَضِبَ فَقَامَ مِنْ مَكَانِهِ نَحْوَهَا وَ قَالَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتِ؟ قَالَتْ أَنَا رَسُولُ الْوُحُوشِ إِلَيْكَ بَعَثَتْنِي وَ مَعِي أَرْنَبٌ لَكَ. فَتَبِعَنِي أَسَدٌ فِي الطَّرِيقِ فَأَخَذَهَا مِنِّي وَ قَالَ أَنَا أَوْلَى بِهَذِهِ الْأَرْضِ وَ مَا فِيهَا مِنَ الْوُحُوشِ فَقُلْتُ إِنَّ هَذَا غَدَاءُ الْمَلِكِ أَرْسَلْتْ بِهِ الْوُحُوشُ إِلَيْهِ فَلاَ تُغْضِبَنَّهُ. فَسَبَّكَ وَ شَتَمَكَ. فَأَقْبَلَتُ مُسْرِعَةًَ إِلَيْكَ لاَخْبِرَكَ. فَقَالَ الْأَسَدُ إِنْطَلِقِي مَعِي فَأَرِينِي مَوْضِعَ هَذَا الْأَسَدِ. فَانْطَلَقَتِ الْأَرْنَبُ إِلَى جُبٍّ فِيهِ مَاءٌ غَامِرٌ صَافٍ فَنَظَرَتْ فِيهِ وَ قَالَتْ هَذَا الْمَكَانُ. فَنَظَرَ الْأَسَدُ فَرَأَى ظِلَّهُ وَ ظِلَّ الْأَرْنَبِ فِي الْمَاءِ فَلَمْ يَشُكَّ فِي قَوْلِهَا. وَ وَثَبَ إِلَى الْأَسَدِ لِيُقَاتِلَهُ فَغَرِقَ فِي الْجُبِّ. وَ انْقَلَبَتِ الْأَرْنَبُ إِلَى الْوُحُوشِِ فَأَعْلَمَتْهُنَّ صَنِيعَهَا بِالْأَسَدِ.
اَلدَّرْسُ الْحَادِي وَ الْعِشْرُونَ وَ الْمِائَةُ
حُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ
مُقَاسَاةٌ حِجْرٌ سَهَرٌ شُعُورٌ اِنْحِرَافٌ وَقْفٌ دَأْبٌ إِعَالَةٌ عُقُوقٌ بِرٌّ أُفٍّ نَهْرٌ كَرِيمٌ عُسْرٌ يُسْرٌ سَفَهٌ جَهَلْتُهُ نُصْبَ عَيْنِي
وَالِدَتُكَ لَهَا الْحَقُّ الْأَكْبَرُ عَلَيْكَ. هِيَ الَّتِي حَمَلَتْكَ شُهُورًا وَ قَاسَتْ فِي وَضْعِكَ آلاَمًا شَدِيدَةً. وَ هِيَ الَّتَي أَرْضَعَتْكَ زَمَنًا طَوِيلاَ وَ رَبَّتْكَ فِي حِجْرِهَا وَ أَنْتَ وَلِيدٌ لاَ تَعْرِفُ شَيْئًا. كَمْ مِنْ لَيَالِيَ قَضَتْهَا فِي السَّهَرِ حَوْلَ مَهْدِكَ تُحَرِّكُهُ لِتَنْوِيِمِكَ وَ أَنْتَ مَا شَعَرْتَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا طَالَمَا أَصَابَكَ الْمَرَضُ وَ انْحَرَفَتْ صِحَّتُكَ فَكَانَتْ أُمُّكَ وَحْدَهَا تَدُورُ حَوْلَكَ تَحْزَنُ وَ تَبْكِي خَوْفًا مِنْ أَنْ تَمُوتَ وَ تَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَشْفِيَكَ عَاجِلاً. فَعَلَيْكَ أَيُّهَا التِّلْمِيذُ أَنْ تَجْعَلَ نُصْبَ عَيْنَيْكَ تِلْكَ الْمَشَاقَّ الَّتِي عَانَتْهَا وَالِدَتُكَ فِي سَبِيلِ رَاحَتِكَ فَتَبْذُلَ جُهْدَكَ فِي إِرْضَائِهَا. وَ كَذَلِكَ أَبُوكَ لَهُ حُقُوقٌ عَظِيمَةٌ عَلَيْكَ. لِأَنَّهُ سَبَبُ وُجُودِكَ. وَ هُوَ الَّذِي وَقَفَ حَيَاتَهُ فِي سَبِيلِ رَاحَتِكَ وَ يَدْأَبُ دَائِمًا لِإِعَالَتِكَ. أَمَا تَعْرِفُ أَنَّ الطَّعَامَ الَّذِي تُقَدِّمُهُ لَكَ وَالِدَتُكَ وَ الْأَلْبِسَةَ الَّتِي تَلْبَسُهَا وَ الْكُتُبَ الَّتِي تَقْرَأُهَا كَلَّهَا مِنْ كَسْبِ وَالِدِكَ. فَيَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تُحِبَّهُ وَ تُحْسِنَ إِلَيْهِ. وَ إِيَّاكَ أَنْ تَعُقَّ وَالِدَيْكَ فَإِنَّهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ كَمَا أَنَّ بِرَّهُمَا مِنْ أَعْظَمِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَ اللهِ أَجْرًا. قَالَ اللهُ تَعَالَى: "فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَ لاَ تَنْهَرْهُمَا وَ قُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا" وَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فَقَالَ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ أُمُّكَ. قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ.

وَ مَنْ يَبِرَّ أَبَاهُ طَائِعًا فَرِحًا يَخْدَمُهُ أَبْنَاؤُهُ فِي الْعُسْرِ وَ الْيُسْرِ

وَ مَنْ عَقَّ وَالِدَهُ وَ الْأُمَّ منْ سَفَهٍ لَمْ يَلْفَ مِنْ وَلَدٍ مَا سُرَّ فَاعْتَبِرِ
اَلدَّرْسُ الثَّانِي وَ الْعِشْرُونَ وَ الْمِائَةُ
اَلْخُطَّافُ
خُطاَّفٌ قَوَاطِعُ حَالِكٌ رَمَادٌ رَمَادِيُّ اللَّوْنِ بَعُوضٌ

زُهْدٌ سُبَاتٌ مُغَادَرَةٌ دِفَأٌ نَقْفٌ رَافِدَةٌ ضَفَّةٌ بُرْكَةٌ

زَقٌّ تِبْنٌ جَفَافٌ عَتِيقٌ طِينٌ مُرَاقَبَةٌ سَفِيفٌ
اَلْخُطَّافُ مِنَ الطُّيُورِ الْقَوَاطِعِ. لَهُ صَدْرٌ أَبْيَضُ وَ جَنَاحَانِ حَالِكَانِ لاَمِعَانِ. وَ هُوَ أَسْرَعُ فِي طَيَرَانِهِ مِنْ قُطُرِ السِّكَّةِ الْحَدِيدِيَّةِ. فَإِنَّهُ يَقْطَعُ مَسَافَةَ سِتِّينَ مِيلاً فِي السَّاعَةِ وَ لاَ يَنَالُهُ تَعَبٌ وَ لاَ مَشَقَّةٌ. وَ هُوَ أَنْوُاعٌ. مِنْهَا مَا يَأْلَفُ سَوَاحِلَ الْبَحْرِ وَ يُعَشِّشُ عَلَيْهَا. وَ يَكُونُ صَغِيرَ الْجُثَّةِ رَمَادِيَّ اللَّوْنِ. وَ مِنْهَا نَوْعٌ عَلَى ظَهْرِهِ بَعْضُ حُمْرَةٍ. وَ يَكُونُ أَصْغَرَ مِنَ الْبَبَّغَاءِ يُسَمِّيهِ أَهْلُ مِصْرَ الْخُضَيْرِيَّ. وَ مِنْهَا نَوْعٌ طَوِيلُ الْأَجْنِحَةِ رَقِيقُهَا يَأْلَفُ الْجِبَالَ. وَ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْخُطَّافِ يَتَقَوَّتُ بِالذُّبَابِ وَ الْبَعُوضِ وَ غَيْرِهِمَا مِنَ الْهَوَامِّ. وَ هُوَ عَلَى قُرْبِهِ مِنَ الْبَشَرِ وَ مُؤَالَفَتِهِ مَسَاكِنَهُمْ زَاهِدٌ بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْأَقْوَاتِ لاَ يَطْمَعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا. وَ لَمَّا كَانَتِ الْهَوَامُّ الَّتِي يَتَقَوَّتُ بِهَا بَعْضُهَا يَمُوتُ وَ بَعْضُهَا يَسْبُتُ فِي الشِّتَاءِ كَانَتِ الْخُطَاطِيفَ تُغَادِرُ بِلاَدنَا فِي أَوَائِلِ زَمَنِ الْبَرْدِ فَتَطِيرُ إِلَى الْبُلْدَانِ الْحَارَّةِ مِنْ أَفْرِيقِيَّةَ وَ آسِيَا. وَ لاَ تَرْجِعُ إِلَيْنَا إِلاَ فِي أَوَاسِطِ الرَّبِيعِ وَ الْهَوَاءُ قَدْ دَفِئَ وَ بُيُوضُ الْهَوَامِّ قَدْ نَقَفَتْ فَيَكْثُرُ الذُّبَابُ وَ الْبَعُوضُ. وَ الْخُطَّافُ يَبْنِي عُشَّهُ بِنَاءً عَجِيبًا إِلَى جَانِبِ رَافِدَةٍ مِنْ رَوَافِدِ الْبَيْتِ وَ مَا أَشْبَهَ يَصْنَعُهُ مِنْ طِينِ الْأَزِقَّةِ وَ ضِفَافِ الْبُرَكِ. وَ يَخْلِطُهُ بِالشَّعْرِ وَ التِّنِ. وَ هُوَ يَبْنِيهِ عَلَى التَّدْرِيجِ كُلَّ صَبَاحٍ قِسْمًا مِنْهُ ثُمَّ يَتْرُكُهُ طُولَ النَّهَارِ لِيَجُفَّ. ثُمَّ يَعُودُ فِي الْغَدِ فَيَزِيدُ فِيهِ. وَ لاَ يَزَالُ هَكَذَا حَتَّى يُتِمَّهُ فِي نَحْوِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ. وَ يَجْعَلُهُ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ. وَ فِي الْعَامِ التَّالِي يَرْجِعُ إِلَى الْعُشِّ الْعَتِيقِ فِي الْغَالِبِ فَيَطِينُهُ بِطِينٍ جَدِيدٍ وَ تَبِيضُ فِيهِ أُنْثَاهُ وَ تُفَرِّخُ. وَ إِذَا رَاقَبْتَ الْخُطَّافَ تَرَاهُ تَارَةً يَتَخَطَّفُ فِي طَيَرَانِهِ فَوْقَ رَأْسِكَ وَ يَمْلاَ الْجَوَّ صِيَاحًا. وَ تَارَةً يَسِفُّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَتَظُنُّهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لاَعِبًا لاَ عَمَلَ لَهُ. وَ هُوَ إِنَّمَا يَكُونُ دَائِمًا فِي الْعَمَلِ يَطْلُبُ الْهَوَامَّ قُوتًا لَهُ وَ لِفِرَاخِهِ. وَ هُوَ لاَ يَزَالُ يَزِقُّ فِرَاخَهُ حَتَّى تَقْوَى عَلَى الطَّيَرَانِ وَ تَحْصِيلِ الْقُوتِ بِأَنْفُسِهَا.
اَلدَّرْسُ الثَّالِثُ وَ الْعِشْرُونَ وَ الْمِائَةُ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَ الْعَجُوزُ
جَذْبٌ تَوَسُّمٌ تَنَكُّرٌ حَيٌّ دَامِسٌ قَرٌّ تَأَمُّلٌ أَوْشَكَ يَسْقُطُ

عَوِيلٌ أَثَافِيٌّ إِشْتِعَالٌ رُوَيْدًا مَقَالَةٌ عُلاَلَةٌ تَعْلِيلٌ ضَجَرٌ حَصْبَاءُ اِرْتِيَاعٌ رَاعٍ رَعِيَّةٌ تَوَلٍّ سَمَاحٌ لاَأَبْرَحُ قُوتٌ لَعَلَّ


قَالَ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَرَجْتُ فِي لَيْلَةٍ حَالِكَةٍ قَاصِدًا دَارَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. فَفِيمَا أَنَا فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ رَأَيْتُ أَعْرَابِيًّا جَذَبَنِي بِثَوْبِي وَ قَالَ الْزَمْنِي يَا عَبَّاسُ. فَتَوَسَّمْتُ بِالْأَعْرَابِيِّ فَإِذَا هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ عَلِمْتُ أَنَّهُ مُتَنَكِّرٌ. فَتَقَدَّمْتُ وَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ قُلْتُ لَهُ إِلَى أَيْنَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ أُرِيدُ جَوْلَةً بَيْنَ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فِي هَذَا اللَّيْلِ الدَّامِسِ. وَ كَانَتْ لَيْلَةَ قُرٍّ. فَتَبِعْتُهُ وَ سَارَ وَ أَنَا وَرَاءَهُ وَ جَعَلَ يَجُولُ بَيْنَ خِيَامِ الْأَعْرَابِ وَ بُيُوتِهِمْ وَ يَتَأَمَّلُهَا إِلَى أَنْ أَتَيْنَا عَلَى جَمِيعِهَا وَ أَوْشَكْنَا أَنْ نَخْرُجَ مِنْهَا. فَنَظَرْنَا وَ إِذَا هُنَاكَ خَيْمَةٌ وَ فِيهَا امْرَأَةٌ عَجُوزٌ وَ حَوْلَهَا صِبْيَةٌ يَبْكُونَ وَ يَعُولُونَ عَلَيْهَا وَ أَمَامَهَا أَثَافِيُّ عَلَيْهَا قِدْرٌ وَ تَحْتَهَا النَّارُ تَشْتَعِلُ. وَ هِيَ تَقُولُ لِلصِّبْيَةِ رُوَيْدًا بَنِيَّ قَلِيلاً وَ يَنْضَجُ الطَّعَامُ فَتَأْكُلُونَ. فَوَقَفْنَا بَعِيدًا وَ جَعَلَ عُمَرُ يَتَأَمَّلُ الْعَجُوزَ تَارَةً وَ يَنْظُرُ إِلَى الْأَوْلاَدِ أُخْرَى فَطَالَ الْوُقُوفُ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا الَّذِي يُوقِفُكَ سِرْ بِنَا. فَقَالَ وَاللهِ لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَرَاهَا قَدْ صَبَّتْ لِلصِّبْيَةِ فَأَكُلُوا وَ اكْتَفَوْا. فَوَقَفْنَا وَ قَدْ طَالَ وُقُوفُنَا جِدًّا وَ الصِّبْيَةُ لاَ يَزَالُونَ يَصْرُخُونَ وَ يَبْكُونَ وَ الْعَجُوزُ تَقُولُ لَهُمْ مَقَالَتَهَا: "رُوَيْدًا رُوَيْدًا بَنِيَّ قَلِيلاً وَ يَنْضَجُ الطَّعَامُ فَتَأْكُلُونَ" فَقَالَ لِي عُمَرُ ادْخُلْ بِنَا عَلَيْهَا لِنَسْأَلَهَا فَدَخَلَ وَ دَخَلَتُ وَرَاءَهُ. فَقَالَ عُمَرُ السَّلاَمُ عَلَيْكِ يَا خَالَةُ. فَرَدَّتْ عَلَيْهِ السَّلاَمَ أَحْسَنَ رَدٍّ. فَقَالَ لَهَا مَا بَالَ هَؤُلاَءِ الصِّبْيَةِ يَتَصَارَخُونَ وَ يَبْكُونَ؟ فَقَالَتْ لِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْجُوعِ. فَقَالَ لَهَا وَ لِمَا لَمْ تُطْعِمِيهِمْ مَا فِي الْقِدْرِ؟ فَقَالَتْ لَهُ وَ مَاذَا فِي الْقِدْرِ لِأُطْعِمَهُمْ؟ لَيْسَ هُوَ إِلاَ عُلاَلَةٌ فَقَطْ إِلَى أَنْ يَضْجَرُوا مِنَ الْعَوِيلِ فَيَغْلِبَهُمُ النَّوْمُ. لَيْسَ لِي شَيْئٌ لِأُطْعِمَهُمْ. فَتَقَدَّمَ عُمَرُ إِلَى الْقِدْرِ وَ نَظَرَهَا فَإِذَا فِيهَا حَصْبَاءُ وَ عَلَيْهَا الْمَاءُ يَغْلِي. فَتَعَجَّبَ مِنْ ذَلِكَ وَ قَالَ لَهَا مَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ؟ فَقَالَتْ أُوهِمُهُمْ أَنَّ فِيهَا شَيْئًا يُطْبَخُ فَأُعْلِلُهُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا ضَجِرُوا وَ غَلَبَ النَّوْمُ عُيُونَهُمْ نَامُوا. فَقَالَ لَهَا عُمَرُ وَ لِمَاذَا أَنْتَ هَكَذَا؟ قَالَتْ أَنَا مَقْطُوعَةٌ لاَ أَخٌ لِي وَ لاَ أَبٌ وَ لاَ زَوْجٌ وَ لاَ ذُو قَرَابَةٍ فَقَالَ لَهَا لِمَا لَمْ تَعْرِضِي أَمْرَكِ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَيَجْعَلَ لَكِ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؟ فَقَالَتْ وَاللهِ إِنَّهُ ظَلَمَنِي. فَلَمَّا سَمِعَ عُمَرُ مَقَالَتَهَا ارْتَاعَ مِنْ ذَلِكَ وَ قَالَ لَهَا يَا خَالَةُ بِمَاذَا ظَلَمَكِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَتْ نَعَمْ وَاللهِ ظَلَمَنَا. إِنَّ الرَّاعِيَ عَلَيْهِ أَنْ يُفَتِّشَ عَنْ حَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ رَعِيَّتِهِ لَعَلَّهُ يُوجَدُ فِيهَا مَنْ هُوَ مِثْلِي ضَيِّقُ الْيَدِ كَثِيرُ الصِّبْيَةِ وَ لاَ مُعِينَ لَهُ فَيَتَوَلَّى لَوَازِمَهُ وَ يَسْمَحُ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِمَا يَقُوتُهُ وَ عَيَالَهُ.
اَلدَّرْسُ الرَّابِعُ وَ الْعِشْرُونَ وَ الْمِائَةُ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَ الْعَجُوزُ
فَاقَةٌ مَوْلًى ذَخِيرَةٌ تَحْوِيلٌ هَاتِيكَ اِنْصَافٌ جَرِيمَةٌ يَوْمُ الدِّينِ

ظَلاَمَةٌ لَهْثٌ كَبٌّ تَنْكِيسٌ نَفْخٌ ذَوَبَانٌ تَلْقِيمٌ اِسْتِيفَاءٌ



بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَالَهُ مِنْ تِلْمِيذٍ مُجْتَهِدٍ
فَقَالَ لَهَا عُمَرُ وَ مِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ عُمَرُ بِحَالِكِ وَ مَا أَنْتِ فِيهِ مِنْ الْفَاقَةِ مَعَ كَثْرَةِ الصِّبْيَةِ؟ كَانَ يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَتَقَدَّمِي وَ تُعْلِمِيهِ بِحَالِكِ. فَقَالَتْ لاَ وَاللهِ إِنَّ الرَّاعِيَ الْأَمِينَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُفَتِّشَ عَنِ احْتِيَاجَاتِ رَعِيَّتِهِ عُمُومًا وَ خُصُوصًا. فَلَعَلَّ الشَّخْصَ الْفَقِيرَ الْحَالِ غَلَبَهُ حَيَاؤُهُ وَ مَنَعَهُ مِنَ التَّقَدُّمِ إِلَى رَاعِيهِ. فَعَلَى عُمَرَ السُّؤَالُ عَنْ حَالِ الْفُقَرَاءِ فِي رَعِيَّتِهِ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَى الْفَقِيرِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إِلَى مَوْلاَهُ لِإِعْلاَمِهِ بِحَالِهِ وَ الرَّاعِيُ الْحُرُّ إِذَا أَهْمَلَ ذَلِكَ يَكُونُ هَذَا ظُلْمًا مِنْهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ لَهَا عُمَرُ صَدَقْتِ يَا خَالَةِ وَ لَكِنَّ عَلِّلِي الصِّبْيَةَ وَ السَّاعَةَ آتِيكِ. ثُمَّ خَرَجَ وَ خَرَجْتُ مَعَهُ وَ كَانَتِ الْكِلاَبُ تَنْبَحُنَا وَ أَنَا أَطْرُدُهَا عَنِّي وَ عَنْهُ إِلَى أَنِ انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ الذَّخِيرَةِ. فَفَتَحَهُ وَ دَخَلَ وَ أَمَرَنِي فَدَخَلْتُ مَعَهُ. وَ عَمَدَ إِلَى كِيسٍ مِنَ الدَّقِيقِ يَحْتَوِي عَلَى عِشْرِينَ رَطْلاً. فَقَالَ لِي يَا عَبَّاسُ حَوِّلْ عَلَى كَتِفِي. فَحَمَلْتُهُ إِيَّاهُ. ثُمَّ قَالَ لِي احْمِلْ هَاتِيكَ جَرَّةَ السَّمْنِ وَ أَشَارَ إِلَى جَرَّةٍ هُنَاكَ. وَ خَرَجْنَا وَ أَقْفَلَ الْبَابَ وَ سِرْنَا وَ قَدِ انْهَارَ مِنَ الدَّقِيقِ عَلَى لِحْيَتِهِ وَ عَيْنَيْهِ وَ جَبِينِهِ. فَمَشَيْنَا إِلَى أَنْ أَنْصَفْنَا وَ قَدْ أَتْعَبَهُ الْحَمْلُ لِأَنَّ الْمَكَانَ كَانَ بَعِيدَ الْمَسَافَةِ. فَقُلْتُ لَهُ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَوِّلِ الْكِيسَ عَنْكَ وَ دَعْنِي أَحْمِلْهُ فَقَالَ لاَ وَاللهِ أَنْتَ لاَ تَحْمِلُ عَنِّي جَرَائِمِي وَ ظُلْمِي يَوْمَ الدِّينِ. وَ اعْلَمْ يَا عَبَّاسُ أَنَّ جِبَالَ الْحَدِيدِ وَ ثُقْلَهَا خَيْرٌ مِنْ حَمْلِ ظَلاَمَةٍ كَبُرَتْ أَوْ صَغُرَتْ. لاَ سِيَّمَا هَذِهِ الْعَجُوزِ تُعَلِّلُ أَوْلاَدَهَا بِالْحَصَى. بَالَهُ مِنْ ذَنْبٍ عَظِيمٍ عِنْدَ اللهِ. سِرْ بِنَا وَ أَسْرِعْ يَا عَبَّاسُ قَبْلَ أَنْ يَضْجَرَ الصِّبْيَةُ مِنَ الْعَوِيلِ فَيَنَامُوا كَمَا قَالَتْ فَسَارَ وَ أَسْرَعَ وَ أَنَا مَعَهُ وَ هُوَ يَلْهَثُ لَهْثَ الثَّوْرِ مِنَ التَّعَبِ إِلَى أَنْ وَصَلْنَا إِلَى خَيْمَةِ الْعَجُوزِ. فَحَوَّلَ الْكِيسَ عَنْ كَتِفِهِ وَ وَضَعْتُ لَهُ جَرَّةَ السَّمْنِ أَمَامَهُ. فَتَقَدَّمَ بِنَفْسِهِ وَ أَخَذَ الْقِدْرَ وَ كَبَّ مَا فِيهَا ثُمَّ وَضَعَ السَّمْنَ وَ جَعَلَ إِلَى جَانِبِهِ الدَّقِيقَ. ثُمَّ نَظَرَ فَإِذَا النَّارُ قَدْ كَادَتْ تُطْفَأُ فَقَالَ لِلْعَجُوزِ أَعِنْدَكَ حَطَبٌ؟ قَالَتْ نَعَمْ يَا ابْنِي وَ أَشَارَتْ إِلَيْهِ. فَقَامَ وَ جَاءَ بِقَلِيلٍ مِنْهُ وَ كَانَ الْحَطَبُ أَخْضَرَ فَوَضَعَ مِنْهُ فِي النَّارِ وَ وَضَعَ الْقِدْرَ عَلَى الْأَثَافِيِّ وَ جَعَلَ يُنَكِّسُ رَأْسَهُ إِلَى الْأَرْضِ وَ يَنْفَخُ بِفَمِهِ تَحْتَ الْقِدْرِ. وَ كَانَ دُخَانُ الْحَطَبِ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِ لِحْيَتِهِ. وَ لَمْ يَزَلْ هَكَذَا حَتَّى اشْتَغَلَتِ النَّارُ وَ ذَابَ السَّمْنُ وَ ابْتَدَأَ غَلَيَانُهُ. فَجَعَلَ يُحَرِّكُ السَّمْنَ بِعُودٍ فِي يَدِهِ الْوَاحدَةِ وَ يُخَلِّطُ مِنَ الدَّقِيقِ مَعَ السَّمْنِ فِي يَدِهِ الْأُخْرَى إِلَى أَنْ نَضِجَ وَ الصِّبْيَةُ حَوْلَهُ يَتَصَارَخُونَ. وَ لَمَّا طَابَ الطَّعَامُ طَلَبَ مِنَ الْعَجُوزِ فَأَتَتْهُ بِإِنَاءٍ وَ جَعَلَ يَصُبُّ الطَّبِيخَ فِيهِ وَ يَنْفُخُهُ لِيُبَرِّدَهُ وَ يُلَقِّمُ الصِّغَارَ. وَ لَمْ يَزَلْ يَفْعَلَ هَكَذَا مَعَهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى شَبِعُوا وَ اكْتَفَوْا وَ قَامُوا يَلْعَبُونَ وَ يَضْحَكُونَ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ إِلَى أَنْ غَلَبَ عَلَيْهِمُ النَّوْمُ فَنَامُوا. فَعِنْدَ ذَلِكَ الْتَفَتَ إِلَى الْعَجُوزِ وَ قَالَ لَهَا يَا خَالَةُ أَنَا مِنْ قَرَابَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ سَأَذْكُرُ لَهُ حَالَكِ. فَأْتِينِي غَدًا صَبَاحًا إِلَى دَارِ الْإِمَارَةِ فَتَجِدِينِي هُنَاكَ فَأَرْجِي خَيْرًا. ثُمَّ دَّعَهَا عُمَرُ وَ خَرَجَ وَ خَرَجْتُ مَعَهُ. فَقَالَ لِي يَا عَبَّاسُ وَاللهِ إِنِّي حِينَ رَأَيْتُ الْعَجُوزَ تُعَلِّلُ صِبْيَتَهَا بِحَصًى حَسِبْتُ أَنَّ الْجِبَالَ قَدْ زُلْزِلَتْ وَ اسْتَقَرَّتْ عَلَى ظَهْرِي. حَتَّى إِذَا جِئْتُ وَ أَطْعَمْتُهُمْ مَا طَبَخْتُهُ لَهُمْ وَ اكْتَفَوْا وَ جَعَلُوا يَلْعَبُونَ وَ يَضْحَكُونَ فَحِينَئِذٍ شَعَرْتُ أَنَّ تِلْكَ الْجِبَالَ قَدْ سَقَطَتْ عَنْ ظَهْرِي. ثُمَّ أَتَى عُمَرُ دَارَهُ وَ أَمَرَنِي فَدَخَلْتُ مَعَهُ وَ بِتْنَا لَيْلَتَنَا. وَ لَمَّا كَانَ الصَّبَاحُ أَتَتِ الْعَجُوزُ فَاسْتَغْفَرَهَا وَ جَعَلَ لَهَا وَ لِصِبْيَتِهَا رَاتِبًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ تَسْتَوْفِيهِ شَهْرًا فَشَهْرًا.



Достарыңызбен бөлісу:
1   ...   7   8   9   10   11   12   13   14   ...   18




©dereksiz.org 2024
әкімшілігінің қараңыз

    Басты бет