اَلْوَلَدُ وَ الصَّدَى
مَرْجٌ فِرَارٌ صَدَى غَضَبٌ سَبٌّ شَتْمٌ إِعَادَةٌ شِكَايَةٌ اِخْتِبَاءٌ سِوَى طَرْقٌ قَبْلَ ذَلِكَ فِيمَا هُوَ يَقْرَأُ عِنْدَ ذَلِكَ أَعْلَى صَوْتِهِ
خَرَجَ عَلِيٌّ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَي الصَّحْرَاءِ. وَ بَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي فِيهَا وَصَلَ إِلَى مَرْجٍ قَرِيبٍ مِنْ غَابَةٍ كَثِيرَةِ الْأَشْجَارِ. وَ فِيهَا هُوَ يَلْعَبُ فِي الْمَرْجِ فَرَّ مِنْ أَمَامِهِ طَيْرٌ. فَصَرَخَ عَلِيٌّ "هَا هَا هَا" فَرَجَعَ إِلَيْهِ الصَّدَى فِي الْحَالِ. أَمَّا عَلِيٌّ فَعَجِبَ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرًا لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَعْرِفُ قَبْلَ ذَلِكَ مَا هُوَ الصَّدَى. وَ ظَنَّ أَنَّ فِي الْغَابَةِ وَلَدًا يَصْرُخُ مِثْلَ صُرَاخِهِ. فَقَالَ: "مَنْ أَنْتَ يَا هَذَا؟" فَأَجَابَهُ الصَّدَى: "مَنْ أَنْتَ يَا هَذَا؟" فَصَرَخَ عَلِيٌّ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: "أَنْتَ أَحْمَقُ". فَأَجَابَهُ الصَّدَى: "أَنْتَ أَحْمَقُ". وَ عِنْدَ ذَلِكَ اشْتَدَّ غَضَبُ عَلِيٍّ وَ أَخَذَ يَسُبُّ وَ يَشْتِمُ. وَ كَانَ الصَّدَى يُعِيدُ إِلَيْهِ شَتَائِمَهُ كَلِمَةً فَكَلِمَةً. وَ عِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَ عَلِيٌّ يُفَتِّشُ عَنِ الْوَلَدِ الَّذِي شَاتَمَهُ. وَ لَمَّا لَمْ يَجِدْهُ عَادَ إِلَى بَيْتِهِ وَ شَكَا أَمْرَهُ إِلَى أَبِيهِ. وَ قَالَ لَهُ: "يَا أَبِي كَانَ وَلَدٌ مُخْتَبِئًا فِي الْغَابَةِ وَ حِينَ وَصَلْتُ إِلَى الْقُرْبِ مِنْهُ أَخَذَ يَسُبُّنِي وَ يَشْتِمُنِي" فَقَالَ أَبُوهُ: "لَمْ تَسْمَعْ يَا ابْنِي سِوَى صَدَى كَلاَمِكَ وَ أَنْتَ الَّذِي بَدَأْتَ بِالشَّتْمِ. فَرَجَعَ إِلَيْكَ صَدَاهُ مِنْ وَسَطِ الْغَابَةِ وَ لاَ عَجَبَ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنَّ مَنْ طَرَقَ الْبَابَ سَمِعَ الْجَوَابَ"
"بَلاَءُ الْإِنْسَانِ مِنَ اللِّسَانِ".
اَلدَّرْسُ السِّتُّونَ
اَلصَّيَّادُ وَ الدُّبُّ
تَرْبِيَةٌ أُلْفَةٌ مُفَارَقَةٌ بَذْلٌ وَسْعٌ حَشَرَاتٌ إِيذَاءٌ جِهَةٌ ظِلٌّ ذُبَابٌ قَتْلٌ خَيْرٌ
صَيَّادٌ صَادَ دُبًّا وَ رَبَّاهُ. فَأَلِفَهُ الدُّبُّ كَثِيرًا وَ أَحَبَّهُ حُبًّا شَدِيدًا. فَكَانَ يَمْشِي مَعَهُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ وَ لاَ يُفَارِقُهُ. وَ يَبْذُلُ وُسْعَهُ فِي طَاعَتِهِ. وَ يَحْفَظُهُ إِذَا نَامَ مِنَ الْحَشَرَاتِ الْمُؤْذِيَةِ. مَرَّةً خَرَجَ الصَّيَّادُ إِلَى بَعْضِ الْجِهَاتِ وَ مَعَهُ الدُّبُّ. فََنَزَلَ فِي الطَّرِيقِ فيِ ظِلِّ شَجَرَةٍ لِيَسْتَرِيحَ. فَلَمَّا نَامَ الصَّيَّادُ أَحَذَ الدُّبُّ يَحْرُسُهُ عَلَى حَسَبِ عَادَتِهِ. فَسَقَطَتْ ذُبَابَةٌ عَلَى وَجْهِهِ. فَمَنَعَهَا الدُّبُّ مِرَارًا وَ هِىَ تَرْجِعُ وَ تَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ. وَ عِنْدَ ذَلِكَ غَضِبَ الدُّبُّ غَضَبًا شَدِيدًا وَ أَخَذَ قِطْعَةَ حَجَرٍ لِيَقْتُلَ بِهَا الذُّبَابَةَ. فَرَمَاهَا بِهَا عَلَى وَجْهِهِ. فَمَاتَ الصَّيَّادُ فِي الْحَالِ.
"عَدُوٌّ عَاقِلٌ خَيْرٌ مِنْ صَدِيقٍ جَاهِلٍ".
اَلدَّرْسُ الْحَادِي وَ السِّتُّونَ
أَسَدٌ وَ ثَعْلَبٌ
شَيْخُوخَةٌ اِحْتِيَالٌ تَمَارُضٌ غَارٌ كُلَّمَا إِتْيَانٌ اِفْتِرَاسٌ تَسْلِيمٌ مَالَكَ مَالَكَ لاَ تَقْرَأُ غَيْرَ أَنَّهُ أَبُوالْحُصَيْنِ أَثَرٌ تَمْيِيزٌ تَفْكِيرٌ لاَيَنْبَغِي
أَسَدٌ شَاخَ وَ ضَعُفَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى صَيْدِ الْوُحُوشِ. وَ أَرَادَ أَنْ يَحْتَالَ لِنَفْسِهِ فِي الْمَعِيشَةِ. فَتَمَارَضَ وَ أَلْقَى نَفْسَهُ فيِ بَعْضِ الْغِيرَانِ. وَ كَانَ كُلَّمَا أَتَاهُ زَائِرٌ مِنَ الْوُحُوشِ افْتَرَسَهُ دَاخِلَ الغَارِ وَ أَكَلَهُ. وَ أَتَى الثَّعْلَبُ يَوْمًا وَ وَقَفَ عَلَى بَابِ الْغَارِ مُسَلِّمًا عَلَيْهِ قَائِلاً لَهُ: "كَيْفَ حَالُكَ يَا سَيِّدَ الْوُحُوشِ؟" فَقَالَ لَهُ الْأَسَدُ: "مَا لَكَ لاَ تَدْخُلُ يَا أَباَ الْحُصَيْنِ؟" فَقَالَ لَهُ الثَّعْلَبُ: "يَا سَيِّدُ قَدْ كُنْتُ أَرَدْتُ ذَلِكَ. غَيْرَ أَنِّي أَرَى عِنْدَكَ آثَارَ أَقْدَامِ كَثِيرِينَ قَدْ دَخَلُوا وَ لَسْتُ أَرَى أَنْ قَدْ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْهُمْ." مَعْنَى الْحِكَايَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يُفَكِّرَ فِيهِ وَ يُمَيِّزَهُ.
اَلدَّرْسُ الثَّانِي وَ السِّتُّونَ
أَعْضَاءُ الْإِنْسَانِ
شَقِيقٌ خَدٌّ ذِرَاعٌ سَاقٌ ذَقْنٌ صَدْرٌ مِعْدَةٌ غَرَضٌ عَرَقٌ وِقَايَةٌ تَغْطِيَةٌ اِنْطِبَاقٌ
قَالَ سَلِيمٌ مُخَاطِبًا شَقِيقَهُ يُوسُفَ الصَّغِيرَ: "لَكَ يَا يُوسُفُ عَيْنَانِ، الْوَاحِدَةُ عَنْ يَمِينِ أَنْفِكَ وَ الْأُخْرَى عَنْ شِمَالِهِ، وَ لَكَ أُذُنَانِ، الْوَاحِدَةُ عَنْ يَمِينِ رَأْسِكَ وَ الْأُخْرَى عَنْ شِمَالِهِ. وَ لَكَ أَيْضًا خَدَّانِ وَ ذِرَاعَانِ وَ مِرْفَقَانِ وَ يَدَانِ وَ سَاقَانِ وَ رُكْبَتَانِ وَ قَدَمَانِ. وَ لَكِنْ لَكَ جَبْهَةٌ وَاحِدَةٌ وَ أَنْفٌ وَاحِدٌ وَ ذَقْنٌ وَاحِدٌ وَ صَدْرٌ وَاحِدٌ وَ مِعْدَةٌ وَاحِدَةٌ. فَهَلْ تَعْرِفُ وَظِيفَةَ كُلِّ عَضْوٍ مِنْهَا؟" وَ كَانَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ إِلَى الْأَعْضَاءِ الَّتِي كَانَ يُسَمِّيهَا. وَ بَيْنَمَا هُمَا كَذَلِكَ إِذْ رَآهُمَا الْمُعَلِّمُ. فَقَالَ لِسَلِيمٍ ضَاحِكًا: "قُلْ مَا الْفَائِدَةُ مِنَ الْحَاجِبَيْنِ بَيْنَ الْجَبْهَةِ وَ الْعَيْنَيْنِ؟"
– اَلْغَرَضُ مِنْهُمَا أَنَّهُمَا يَمْنَعَانِ سُقُوطَ الْعَرَقِ مِنَ الْجَبْهَةِ إِلَى الْعَيْنَيْنِ.
– أَصَبْتَ وَ مَا فَائِدَةُ الْأَجْفَانِ؟
– إِنَّهَا تَقِى الْعَيْنَيْنِ مِنَ الْأَذَى.
– صَدَقْتَ فِي جَوَابِكَ لِأَنَّ الْجَفْنَ يُغَطِّي كُرَةَ الْعَيْنِ كُلَّهَا عِنْدَ النَّوْمِ. وَ فَضْلاً عَنْ ذَلِكَ إِنَّهُ يَنْطَبِقُ سَرِيعًا عَلىَ الْعَيْنِ كُلَّمَا مَرَّ أَمَامَهَا شَيْءٌ بِشِدَّةٍ.
اَلدَّرْسُ الثَّالِثُ وَ السِّتُّونَ
أَعْضَاءُ الْإِنْسَانِ
نِسْيَانٌ شَعْرٌ عِنْدَئِذٍ اِسْتِيقَافٌ خَشْيَةٌ ذَرَّةٌ تَطَايُرٌ جَوٌّ
تُرَابٌ هَوَامٌّ كَلاَّ تَهْدِيدٌ مَا تَنْبِيهٌ سَرِيعٌ عِنْدَمَا يَقْرَأُ
وَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الْمُعَلِّمُ لَهُمَا:
-
لاَ تَنْسَيَا الشَّعْرَ النَّابِتَ عَلَى أَطْرَافِ الْأَجْفَانِ فَمَا اسْمُهُ؟
فَأَجَابَهُ يُوسُفُ:
-
يُقَالُ لَهُ أَهْدَابٌ.
-
فَمَا الْفَائِدَةُ مِنْهُ؟
فَشَقَّ عَلَى الْأَخَوَيْنِ الْجَوَابُ. فَقَالَ لَهُمَا عِنْدَئِذٍ الْمُعَلِّمُ:
-
إِنَّهَا تَسْتَوْقِفُ كُلَّ مَا يُخْشَى وُقُوعُهُ فِي الْعَيْنِ مِنَ الذَّرَّاتِ الْمُتَطَائِرَةِ فِي الْجَوِّ كَالتُّرَابِ وَ الْهَوَامِّ.
ثُمَّ قَالَ مُخَاطِبًا لِيُوسُفَ:
-
قُلْ لِي يَا يُوسُفُ، هَلْ تَكُونُ عَيْنَاكَ مَفْتُوحَتَيْنِ أَوْ مُطَبَقَتَيْنِ عِنْدَمَا تَكُونُ يَقْظَانَ؟
-
إِنَّهُمَا تَكُونَانِ مَفْتُوحَتَيْنِ.
-
وَ مَتَى نِمْتَ؟
-
تَكُونَانِ مُطَبَقَتَيْنِ.
-
وَ أُذُنَاكَ كَيْفَ تَكُونَانِ وَ أَنْتَ نَائِمٌ؟
فضَحِكَ يُوسُفُ مِنْ هَذَا السُّؤَالِ وَقَالَ:
-
هَلْ تُطْبَقُ الْآذَانُ؟
-
أَلاَ تَعْرِفُ السَّبَبَ فِي بَقَائِهَا مَفْتُوحَةً؟
-
كَلاَّ.
-
إِنَّ الْأُذُنَ لِلنَّائِمِ كَالْحَارِسِ. وَ لِذَلِكَ تَبْقَى مَفْتُوحَةً. فَإِذَا هَدَّدَ النَّائِمَ خَطَرٌ مَا نَبَّهَتْهُ سَرِيعًا.
اَلدَّرْسُ الرَّابِعُ وَ السِّتُّونَ
اَلثَّعْلَبُ وَ الْعُنْقُودُ
مُشَاهَدَةٌ لَوْنٌ رَطْبٌ إِدَاءٌ بُغْيَةٌ تَعَبٌ سَعْيٌ
إِمْكَانٌ طُلُوعٌ جَوْفٌ لَهَبٌ حِصْرِمٌ خَسْءٌ
حِكَايَةٌ عَنْ ثَعْلَبِ قَدْ مَرَّ وَسْطَ العِنَبِ
وَ شَاهَدَ الْعُنْقُودَ فِي لَوْنٍ كَلَوْنِ الذَّهَبِ
وَ غَيْرَهُ مِنْ جِنْسِهِ أَسْوَدَ مِثْلَ الرُّطَبِ
وَ الْجُوعُ قَدْ أَوْدَى بِهِ بَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ
فَجَاءَ يَبْغِي أَكْلَةً مِنْهُ وَ لَوْ بِالتَّعَبِ
سَعَى فَمَا أَمْكَنَ أَنْ يَطْلَعَ فَوْقَ الْخَشَبِ
فَرَاحَ مِثْلَمَا أَتَى وَ جَوْفُهُ فِي لَهَبِ
وَ قَالَ: "هَذَا حِصْرِمٌ رَأَيْتُهُ فِي حَلَبِ
قَالَ لَهُ الْعُنْقُودُ: "بَلْ خَسِئْتَ فَاذْهَبْ يَاغَبِي
طُولُ لِسَانٍ فِي الْهَوا وَ قِصَرٌ فِي الذَّنَبِ
اَلدَّرْسُ الْخَامِسُ وَ السِّتُّونَ
عُصْفُورُ مَرْيَمَ
قَفَصٌ حَوْلٌ وَدْعٌ إِطْعَامٌ لُعْبَةٌ تَرْكٌ بَذْرٌ حُزْنٌ حِينًا بَعْدَ حِينٍ بِمَا أَنَّهُ
كَانَ لِمَرْيَمَ عُصْفُورٌ جَمِيلٌ. وَ كَانَتْ تُحِبُّهُ كَثِيرًا. فَعَمِلَتْ له قَفَصًا وَ وَضَعَتْهُ فِيهِ. وَ كَانَ الْعُصْفُورُ أَلِيفًا يَأْتِي إِلَى مَرْيَمَ وَ يَأْكُلُ مِنْ يَدِهَا. وَ كَانَتْ تَفْتَحُ لَهُ الْقَفَصَ حِينًا بَعْدَ حِينٍ. فَيَخْرُجُ وَ يَقْعُدُ عَلَى رَأْسِ الْقَفَصَ أَوْ يَطِيرُ حَوْلَ الْبَيْتِ. وَ بِمَا أَنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّهُ كَثِيرًا مَا كَانَتْ تَدَعُ أَحَدًا غَيْرَهَا يُطْعِمُهُ. وَ أَرْسَلَتْ لَهَا عَمَّتُهَا يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ لُعْبَةً جَمِيلَةً. فَطَارَتْ مَرْيَمُ فَرَحًا. وَ بَقِيَتْ تَلْعَبُ بِهَا طُولَ ذَلِكَ النَّهَارِ. وَ نَسِيَتْ أَنْ تُطْعِمَ الْعُصْفُورَ. وَ فِي الْغَدِ جَاءَ إِلَيْهَا سَعِيدٌ ابْنُ خَالِهَا. فَلَعِبَتْ مَعَهُ طُولَ النَّهَارِ بِلُعْبَتِهَا وَ لُعْبَةٍ أُخْرَى جَاءَ بِهَا سَعِيدٌ. وَ نَسِيَتْ أَنْ تُطْعِمَ الْعُصْفُورَ. وَ فِي يَوْمِ الثَّالِثِ تَرَكَتِ اللُّعْبَةَ وَ جَاءَتْ إِلَى الْعُصْفُورِ وَ فِي يَدِهَا شَيْءٌ مِنَ الْبُذُورِ لِتُطْعِمَهُ فَوَجَدَتْهُ مَيْتًا فِي الْقَفَصِ. وَ كَانَ قَدْ مَاتَ مِنَ الْجُوعِ. فَحَزِنَتْ مَرْيَمُ عَلَيْهِ حُزْنًا شَدِيدًا.
اَلدَّرْسُ السَّادِسُ وَ السِّتُّونَ
Достарыңызбен бөлісу: |