اَلْقِرْدُ وَ النَّجَّارُ
وَتَدٌ قِبَلٌ تَدَلَّى شَقٌّ نَزْعٌ عَصْرٌ كَادَ كَادَ يَمُوتُ غُشِيَ عَلَيْهِ
يُحْكَى أَنَّ قِرْدًا رَأَى نَجَّارًا يَشُقُّ خَشَبَةً وَ هُوَ رَاكِبٌ عَلَيْهَا. وَ كَانَ كُلَّمَا شَقَّ مِنْهَا ذِرَاعًا أَدْخَلَ فِيهَا وَتَدًا. فَوَقَفَ الْقِرْدُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَ قَدْ أَعْجَبَهُ ذَلِكَ. ثُمَّ إِنَّ النَّجَّارَ ذَهَبَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ. فَأَرَادَ الْقِرْدُ أَنْ يَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ النَّجَّارُ. فَرَكِبَ الْخَشَبَةَ وَجَعَلَ وَجْهَهُ قِبَلَ الْوَتَدِ وَ ظَهْرَهُ قِبَلَ طَرَفِ الْخَشَبَةِ. فَتَدَلَّى ذَنَبُهُ فِي الشَّقِّ. ثُمَّ إِنَّهُ نَزَعَ الْوَتَدَ فَعَصَرَ الشَّقُّ ذَنَبَهُ. فَأَخَذَ يَصْرُخُ صُراَخًا هَائِلاً وَ كَادَ يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ. وَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ جَاءَ النَّجَّارُ إِلَى الْخَشَبَةِ فَرَآهُ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ. فَأَخَذَ عَصًا وَ أَخَذَ يَضْرِبُهُ ضَرْبًا شَدِيدًا. فَكَانَ مَا لَقِيَ مِنَ النَّجَّارِ أَشَدَّ مِمَّا لَقِيَ مِنَ الْخَشَبَةِ.
اَلدَّرْسُ الرَّابِعُ وَ السَّبْعُونَ
بِلاَ أَبٍ
دَمْعٌ جَرَيَانٌ ضَبْطٌ رِقَّةٌ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْبُكَاءِ
كَانَ صَبِيٌّ صَغِيرٌ يَتِيمٌ يَأْتِي إِلَى الْمَدْرَسَةِ لِيَتَعَلَّمَ الْقِرَاءَةَ وَ الْكِتَابَةَ. وَ فِي يَومٍ مِنَ الْأَيَّامِ كَتَبَ لَهُ الْمُعَلِّمُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ: "أَكْرِمْ أَبَاكَ وَ أُمَّكَ" لِكَيْ يَكْتُبَ مِثْلَهَا فِي الْكُرَّاسِ. فَأَخَذَ الصَّبِيُّ الْكُرَّاسَ وَ كَتَبَ بَعْضَ أَسْطُرٍ ثُمَّ تَرَكَ الْقَلَمَ وَ بَكَى. وَ صَارَتْ دُمُوعُهُ تَجْرِي عَلَى خَدَّيْهِ. ثُمَّ أَخَذَ يَكْتُبُ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ يُفَكِّرُ فِي أَبِيهِ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَضْبُطَ نَفْسَهُ. فَرَفَعَ صَوْتَهُ بِالْبُكَاءِ. فَقَالَ لَهُ الْمُعَلِّمُ: "مَا لَكَ يَا بُنَيَّ، مَاذَا جَرَى لَكَ؟" قَالَ:" لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَكْتُبَ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ. لِأَنِّي يَتيِمُ الْأَبِ. فَأَرْجُو أَنْ تَكْتُبَ غَيْرَهَا." فَرَقَّ قَلْبُ الْمُعَلِّمُ لَهُ وَ قَطَعَ مِنَ الْكُرَّاسَةِِ الْوَرَقَةَ الَّتِي حَرَّكَتْ فِي قَلْبِهِ الْحُزْنَ عَلَى أَبِيهِ وَ كَتَبَ لَهُ غَيْرَهَا.
اَلدَّرْسُ الْخَامِسُ وَ السَّبْعُونَ
طِيَاشَةُ سَلِيمٍ
طِيَاشَةٌ آنَ وَقْتُ الدَّرْسِ تَهَيُّؤٌ عَاجِلاً فَوْتٌ
دَوَرَانٌ نُهُوضٌ خُطْوَةٌ اِلْتِقَاطٌ مُسَاعَدَةٌ صَرْفٌ
سَلِيمٌ وَلَدٌ صَغِيرُ السِّنِّ. وَ لَكِنَّهُ طَائِشٌ جِدًّا لاَ يَعْرِفُ أَيْنَ يَضَعُ ثِيَابَهُ وَ كُتُبَهُ. فَيُضِيعُ الْوَقْتَ فِي التَّفْتِيشِ عَنْهَا. وَ مِرَارًا يَتَأَخَّرُ عَنِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لِلذَّهَابِ إِلَى الْمَدْرَسَةِ. فَفِي ذَاتِ يَوْمٍ صَبَاحًا قَالَتْ لَهُ وَالِدَتُهُ:
-
يَا سَلِيمُ، قَدْ آنَ وَقْتُ الذَّهَابِ إِلَى الْمَدْرَسَةِ فَتَهَيَّأْ حَالاً.
-
سَمْعًا وَ طَاعَةً.
-
هَلْ أَحْضَرْتَ السَّلَّةَ الَّتِي تَضَعُ فِيهَا الزَّادَ؟
-
نَعَمْ.
-
أَيْنَ كِتَابُكَ سَلاَسِلُ الْقِرَاءَةِ؟
-
لاَ أَعْرِفُ.
-
أَيْنَ وَضَعْتَهُ أَمْسِ بَعْدَ أَنْ قَرَأْتَ دَرْسَكَ.
-
نَسِيْتُ.
-
فَتِّشْ عَنْهُ عَاجِلاً قَبْلَ أَنْ يَفُوتَ الْوَقْتُ.
فَأَخَذَ سَلِيمٌ يُفَتِّشُ عَنِ الْكِتَابِ مُضْطَرِبًا وَ يَدُورُ فِي الْبَيْتِ بِدُونِ فَائِدَةٍ. وَ لَمَّا رَأَتْهُ أُمُّهُ عَلَى هَذَا الْحَالِ نَهَضَتْ لِتُفَتِّشَ مَعَهُ. وَ فِي أَوَّلِ خُطْوَةٍ وَجَدَتْهُ فِي أَسْفَلِ الْكُرْسِيِّ فِي حُجْرَتِهِ. فَالْتَقَطَتْهُ وَ أَعْطَتْهُ إِيَّاهُ. فَأَخَذَهُ سَلِيمٌ وَ تَوَجَّهَ نَحْوَ الْبَابِ. وَ عِنْدَ ذَلِكَ سَأَلَتْهُ أُمُّهُ قَائِلَةً:
-
وَ أَيْنَ كِتَابُ الْحِسَابِ؟
-
لاَ أَعْرِفُ.
-
أَهَكَذَا تَذْهَبُ إِلَى الْمَدْرَسَةِ بِدُونِ كُتُبٍ؟ فَمَا الْفَائِدَةُ مِنْ ذَهَابِكَ؟ اِسْمَعِ السَّاعَةَ إِنَّهَا تَدُقُّ الثَّامِنَةَ.
-
إِنْ تَأَخَّرْتُ عَنِ الدُّخُولِ إِلَى الْمَدْرَسَةِ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ أُعَاقِبُ عِقَابًا شَدِيدًا. فَأَرْجُو مِنْكِ أَنْ تُسَاعِدِينِي عَلَى الْعُثُورِ عَلَى الْكِتَابِ. وَ كَانَ يَدُورُ فِي الْبَيْتِ بَاكِيًا. فَنَهَضَتْ أُمُّهُ مَرَّةً ثَانِيَةً فَوَجَدَتِ الْكِتَابَ وَرَاءَ الْخِزَانَةِ وَ أَعْطَتْهُ إِيَّاهُ وَ مَسَحَتْ دُمُوعَهُ وَ صَرَفَتْهُ قَائِلَةً لَهُ إِذَا حَافَظْتَ عَلَى التَّرْتِيبِ لَمْ تَتَأَخَّرْ عَنِ الدُّرُوسِ وَ لَمْ تَبْكِ وَ لَمْ تَحْزَنْ.
اَلدَّرْسُ السَّادِسُ وَ السَّبْعُونَ
مَنْ ظَلَمَ غَيْرَهُ ظُلِمَ
أَرْمَلَةٌ جُبْنٌ تَنَازُعٌ قِسْمَةٌ رُجْحَانٌ قَضْمٌ رَدٌّ كِفَّةٌ
تَلاَشِي إِمْسَاكٌ عَجَلَةٌ اِلْتِقَامٌ حَكَمٌ اِنْصِرَافٌ إِنَّهُ
اِشْتَرَتْ أَرْمَلَةٌ مِسْكِينَةٌ قِطْعَةَ جُبْنٍ لِتَتَعَشَّى بِهَا هِيَ وَ أَوْلاَدُهَا الْيَتَامَى. فَسَرَقَهَا هِرَّانِ وَ تَنَازَعَا فِي قِسْمَتِهَا فَذَهَبَا بِهَا إِلَى قِرْدٍ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمَا. فَفَرِحَ الْقِرْدُ بِذَلِكَ وَ اسْتَحْضَرَ فِي الْحَالِ مِيزَانًا. وَ قَسَمَ الْجُبْنَ قِطْعَتَيْنِ كَبِيرَةً وَ صَغِيرَةً وَ جَعَلَ كُلَّ قَطْعَةٍ مِنْهُمَا فِي كِفَّةٍ. فَرَجَحَتِ الْكَبِيرَةُ عَلَى الصَّغِيرَةِ. فَتَنَاوَلَ الْكَبِيرَةَ وَ قَضَمَ مِنْهَا قِطْعَةً كَبِيرَةً يَقْصُدُ بِذَلِكَ أَنْ تُسَاوِيَ الصَّغِيرَةَ فَلَمَّا رَدَّهَا فِي الْكِفَّةِ رَجَحَتِ الثَّانِيَةُ فَأَخَذَهَا وَ فَعَلَ بِهَا كَمَا فَعَلَ بِالْأُولَى. فَقَالَ لَهُ الْهِرَّانِ: "أَعْطِنَا مَا بَقِيَ فَقَدْ رَضِينَا بِالْقِسْمَةِ." فَقَالَ لَهُمَا: "إِنْ رَضِيتُمَا فَالْعَدْلُ لاَ يَرْضَى." ثُمَّ إِنَّهُ كُلَّمَا رَجَحَتْ قِطْعَةٌ أَكَلَ مِنْهَا. فَقَالَ لَهُ الْهِرَّانِ حِينَ رَأَيَا أَنَّ كِلْتَا الْقِطْعَتَيْنِ كَادَتَا أَنْ تَتَلاَشَيَا: "نَرْجُو مِنْكَ أَنْ تُمْسِكَ عَنِ الْوَزْنِ وَ تَرُدَّ لَنَا مَا بَقِيَ." فَقَالَ الْقِرْدُ: "لاَ تَعْجَلاَ أَيُّهَا الصَّدِيقَانِ فَإِنَّهُ كَمَا حَكَمْتُ لَكُمَا يَنْبَغِي أَنْ أَحْكُمَ لِنَفْسِي فَمَا بَقِيَ فَهُوَ قِيمَةُ تَعَبِي." ثُمَّ الْتَقَمَ الْبَاقِيَ مِنَ الْجُبْنِ وَ أَشَارَ لَهُمَا إِشَارَةَ الْحَكَمِ الْعَدْلِ بِالْاِنْصِرَافِ. وَمَا مِنْ يَدٍ إِلاَّ يَدُ اللهِ فَوْقَهَا.
اَلدَّرْسُ السَّابِعُ وَ السَّبْعُونَ
اَلْغُرَابُ وَ الثَّعْلَبُ
مَعْشَرٌ اِشْتِياَقٌ تَغْرِيدٌ إِطْرَابٌ جَزِيلٌ اِغْتِرَارٌ
ذُو إِنَّكُمْ مَعَاشِرَ الْعُلَمَاءِ مُحْتَرَمُونَ مَنْظَرٌ
يُحْكَى أَنَّ غُرَابًا سَرَقَ قِطْعَةَ لَحْمٍ وَ طَارَ بِهَا وَ نَزَلَ عَلَى شَجَرَةٍ لِيَأْكُلَهَا. وَ كَانَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ثَعْلَبٌ. فَلَمَّا رَأَى الْغُرَابَ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ قِطْعَةَ اللَّحْمِ مِنْهُ بِالْحِيلَةِ. فَقَالَ: "إِنَّكُمْ مَعَاشِرَ الْغِرْبَانِ صُوَرُكُمْ جَمِيلَةٌ وَ أَصْوَاتُكُمْ حَسَنَةٌ وَ لاَ أَعْرِفُ مَنْ بَيْنَ الطُّيُورِ أَحْسَنُ مِنْكُمْ صَوْتًا وَ أَجْمَلُ مَنْظَرًا. وَ إِنِّي قَدِ اشْتَقْتُ لِسَماَعِ أَصْوَاتِكُمْ. فَارْجُو مِنْكَ أَنْ تُغَرِّدَ قَلِيلاً وَ تُطْرِبَنِي بِصَوْتِكَ الْجَمِيلِ. وَ لَكَ مِنِّي جَزِيلُ الشُّكْرِ." فَاغْتَرَّ الْغُرَابُ بِذَلِكَ وَ ظَنَّ أَنَّهُ كَمَا وَصَفَ الثَّعْلَبُ ذُو صَوْتٍ جَمِيلٍ فَفَرِحَ فَرَحًا شَدِيدًا وَ لَمْ يَمْلِكْ نَفْسَهُ حَتَّى فَتَحَ فَمَهُ وَ صَاحَ. فَسَقَطَتْ قِطْعَةُ اللَّحْمِ مِنْ فَمِهِ فَأَخَذَهَا الثَّعْلَبُ وَ أَكَلَهَا.
اَلدَّرْسُ الثَّامِنُ وَ السَّبْعُونَ
Достарыңызбен бөлісу: |